أَفْطَرَ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَقَضَاهَا) لِأَنَّ النَّذْرَ بِالسَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ نَذْرٌ بِهَذِهِ الْأَيَّامِ، وَكَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ لَكِنَّهُ شَرَطَ التَّتَابُعَ، لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ لَا تَعْرَى عَنْهَا لَكِنْ يَقْضِيهَا فِي هَذَا الْفَصْلِ مَوْصُولَةً تَحْقِيقًا لِلتَّتَابُعِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ،
عَلَى لِسَانِهِ النَّذْرُ لَزِمَهُ لِأَنَّ هَذِهِ النَّذْرِ جِدٌّ كَالطَّلَاقِ (أَفْطَرَ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَقَضَاهَا) وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ قَالَتْهُ قَضَتْ مَعَ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَيَّامَ حَيْضِهَا، لِأَنَّ تِلْكَ السَّنَةَ قَدْ تَخْلُو عَنْ الْحَيْضِ فَصَحَّ الْإِيجَابُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ خِلَافُ زُفَرَ فَإِنَّهُ مَنْصُوصٌ عَنْهُ فِي قَوْلِهَا أَنْ أَصُومَ غَدًا فَوَافَقَ حَيْضَهَا لَا تَقْضِي.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَقْضِيهِ لِأَنَّهَا لَمْ تُضِفْهُ نَذْرًا إلَى يَوْمِ حَيْضِهَا، بَلْ إلَى الْمَحَلِّ غَيْرَ أَنَّهُ اتَّفَقَ عُرُوضُ الْمَانِعِ، فَلَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْإِيجَابِ حَالَ صُدُورِهِ فَتَقْضِي، وَكَذَا إذَا نَذَرَتْ صَوْمَ الْغَدِ وَهِيَ حَائِضٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ: يَوْمَ حَيْضِي لَا قَضَاءَ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ لِإِضَافَتِهِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ، فَصَارَ كَالْإِضَافَةِ إلَى اللَّيْلِ، ثُمَّ عِبَارَةُ الْكِتَابِ تُفِيدُ الْوُجُوبَ لِمَا عُرِفَ.
وَقَوْلُهُ فِي النِّهَايَةِ الْأَفْضَلُ فِطْرُهَا، حَتَّى لَوْ صَامَهَا خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ تَسَاهُلٌ، بَلْ الْفِطْرُ وَاجِبٌ لِاسْتِلْزَامِ صَوْمِهَا الْمَعْصِيَةَ، وَلِتَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ الْفِطْرَ بِهَا، فَإِنْ صَامَهَا أَثِمَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا الْتَزَمَهَا نَاقِصَةً، لَكِنْ قَارَنَ هَذَا الِالْتِزَامُ وَاجِبًا آخَرُ وَهُوَ لُزُومُ الْفِطْرِ تَرَكَهُ فَتَحَمَّلَ إثْمَهُ ثُمَّ.
هَذَا إذَا قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَإِنْ قَالَهُ فِي شَوَّالٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صِيَامُ هَذِهِ السَّنَةِ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَلْ صِيَامُ مَا بَقِيَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ.
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: هَذَا سَهْوٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذِهِ السَّنَةِ عِبَارَةٌ عَنْ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ وَقْتِ النَّذْرِ إلَى وَقْتِ النَّذْرِ، وَهَذِهِ الْمُدَّةُ لَا تَخْلُو عَنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ فَيَكُونُ نَذْرًا بِهَا اهـ وَهَذَا سَهْوٌ، بَلْ الْمَسْأَلَةُ كَمَا هِيَ فِي الْغَايَةِ مَنْقُولَةٌ فِي الْخُلَاصَةِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَهَذَا الشَّهْرِ، وَلِأَنَّ كُلَّ سَنَةٍ عَرَبِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ عِبَارَةٌ عَنْ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَهَا مَبْدَأٌ وَمَخْتَمٌ خَاصَّانِ عِنْدَ الْعَرَبِ، مَبْدَؤُهَا الْمُحَرَّمُ وَآخِرُهَا ذُو الْحِجَّةِ، فَإِذَا قَالَ: هَذِهِ فَإِنَّمَا يُفِيدُ الْإِشَارَةَ إلَى الَّتِي هُوَ فِيهَا، فَحَقِيقَةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ نَذْرٌ بِالْمُدَّةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ إلَى آخِرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْمُدَّةُ الْمَاضِيَةُ الَّتِي مَبْدَؤُهَا الْمُحَرَّمُ إلَى وَقْتِ التَّكَلُّمِ فَيَلْغُو فِي حَقِّ الْمَاضِي كَمَا يَلْغُو فِي قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ، وَهَذَا فَرْعٌ يُنَاسِبُ هَذَا، لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ الْيَوْمَ أَوْ الْيَوْمَ أَمْسِ لَزِمَ صَوْمُ الْيَوْمِ، وَلَوْ قَالَ: غَدًا هَذَا الْيَوْمَ أَوْ هَذَا الْيَوْمَ غَدًا لَزِمَهُ صَوْمُ أَوَّلِ الْوَقْتَيْنِ تَفَوَّهَ بِهِ.
وَلَوْ قَالَ: شَهْرًا لَزِمَهُ شَهْرٌ كَامِلٌ، وَلَوْ قَالَ: الشَّهْرَ وَجَبَتْ بَقِيَّةُ الشَّهْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ الشَّهْرَ مُعَيَّنًا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْمَعْهُودِ بِالْحُضُورِ، فَإِنْ نَوَى شَهْرًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ كَلَامَهُ ذَكَرَهُ فِي التَّجْنِيسِ، وَفِيهِ تَأْيِيدٌ لِمَا فِي الْغَايَةِ أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ: صَوْمُ يَوْمَيْنِ فِي هَذَا الْيَوْمِ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا صَوْمُ يَوْمِهِ، بِخِلَافِ عَشْرِ حَجَّاتٍ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ فِي الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ: فِي هَذَا الْفَصْلِ) احْتِرَازٌ مِنْ الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَهُوَ مَا إذَا عَيَّنَ السَّنَةَ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ مَوْصُولَةً لِأَنَّ التَّتَابُعَ هُنَاكَ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ وَلَا مُلْتَزَمٌ قَصْدًا، بَلْ إنَّمَا يَلْزَمُ ضَرُورَةَ فِعْلِ صَوْمِهَا، فَإِذَا قَطَعَهَا بِإِذْنِ الشَّرْعِ انْتَفَى التَّتَابُعُ الضَّرُورِيُّ بِخِلَافِ التَّتَابُعِ هُنَا، فَإِنَّهُ الْتَزَمَهُ قَصْدًا، فَإِذَا وَجَبَ الْقَطْعُ شَرْعًا وَجَبَ تَوْفِيرُهُ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَلِهَذَا إذَا أَفْسَدَ يَوْمًا مِنْ الْوَاجِبِ الْمُتَتَابِعِ قَصْدًا كَصَوْمِ الْكَفَّارَاتِ وَالْمَنْذُورِ مُتَتَابِعًا لَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ، وَفِي الْمُتَتَابِعِ ضَرُورَةً كَمَا إذَا نَذَرَ صَوْمَ هَذِهِ السَّنَةِ أَوْ رَجَبَ لَا يَلْزَمُهُ سِوَى مَا أَفْسَدَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِذَلِكَ الْإِفْسَادِ، كَمَا إذَا أَفْسَدَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ وَاجِبُ التَّتَابُعِ ضَرُورَةً لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ غَيْرِهِ مَعَ الْمَأْثَمِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ شَهْرٍ