للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ وَالْمُوَاظَبَةُ دَلِيلُ السُّنَّةِ (وَهُوَ اللَّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الصَّوْمِ وَنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ) أَمَّا اللَّبْثُ فَرُكْنُهُ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْهُ فَكَانَ وُجُودُهُ بِهِ، وَالصَّوْمُ مِنْ شَرْطِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ، وَالنِّيَّةُ شَرْطٌ فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، هُوَ يَقُولُ: إنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ وَهُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ شَرْطًا لِغَيْرِهِ. وَلَنَا قَوْلُهُ «لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِالصَّوْمِ» وَالْقِيَاسُ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ الْمَنْقُولِ غَيْرُ مَقْبُولٍ،

أَنَّهَا مُعَيَّنَةٌ لَا تَتَقَدَّمُ وَلَا تَتَأَخَّرُ، هَكَذَا النَّقْلُ عَنْهُمْ فِي الْمَنْظُومَةِ وَالشُّرُوحِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ: وَفِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ أَنَّهَا تَدُورُ فِي السَّنَةِ تَكُونُ فِي رَمَضَانَ وَتَكُونُ فِي غَيْرِهِ فَجُعِلَ ذَلِكَ رِوَايَةً، وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فَإِنْ قَالَ: قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ عَتَقَ وَطَلُقَتْ إذَا انْسَلَخَ، وَإِنْ قَالَ بَعْدَ لَيْلَةٍ مِنْهُ فَصَاعِدًا لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَنْسَلِخَ رَمَضَانُ الْعَامَ الْقَابِلَ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا إذَا جَاءَ مِثْلُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِنْ رَمَضَانَ الْآتِيَ وَلَيْسَ ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَازِمًا مِنْ التَّقْرِيرِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهَا لِأَنَّهَا مِمَّا أَغْفَلَهَا الْمُصَنِّفُ ، وَلَا يَنْبَغِي إغْفَالُهَا مِنْ مِثْلِ هَذَا الْكِتَابِ لِشُهْرَتِهَا فَأَوْرَدْنَاهَا عَلَى وَجْهِ الِاخْتِصَارِ تَتْمِيمًا لِأَمْرِ الْكِتَابِ.

وَفِيهَا أَقْوَالٌ أُخَرُ: قِيلَ هِيَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ. وَقَالَ الْحَسَنُ : لَيْلَةَ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَقِيلَ تِسْعَةَ عَشَرَ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ لَيْلَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ.

وَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ. وَأَجَابَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ الْأَدِلَّةِ الْمُفِيدَةِ لِكَوْنِهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ: بِأَنَّ الْمُرَادَ فِي ذَلِكَ الرَّمَضَانُ الَّذِي كَانَ الْتَمَسَهَا فِيهِ، وَالسِّيَاقَاتُ تَدُلُّ عَلَيْهِ لِمَنْ تَأَمَّلَ طُرُقَ الْأَحَادِيثِ وَأَلْفَاظَهَا كَقَوْلِهِ «إنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ» وَإِنَّمَا كَانَ يَطْلُبُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الِاسْتِقْرَاءُ. وَمِنْ عَلَامَاتِهَا أَنَّهَا بَلْجَةٌ سَاكِنَةٌ، لَا حَارَّةٌ وَلَا قَارَّةٌ، تَطْلُعُ الشَّمْسُ صَبِيحَتَهَا بِلَا شُعَاعٍ كَأَنَّهَا طَسْتٌ، كَذَا قَالُوا، وَإِنَّمَا أُخْفِيَتْ لِيَجْتَهِدَ فِي طَلَبِهَا فَيَنَالَ بِذَلِكَ أَجْرَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْعِبَادَةِ، كَمَا أَخْفَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ السَّاعَةَ لِيَكُونُوا عَلَى وَجَلٍ مِنْ قِيَامِهَا بَغْتَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ وَهُوَ اللَّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الصَّوْمِ وَنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ) هَذَا مَفْهُومُهُ عِنْدَنَا، وَفِيهِ مَعْنَى اللُّغَةِ إذْ هُوَ لُغَةً مُطْلَقُ الْإِقَامَةِ فِي أَيِّ مَكَان عَلَى أَيِّ غَرَضٍ كَانَ، قَالَ تَعَالَى ﴿مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ﴾.

ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ رُكْنَهُ اللَّبْثُ بِشَرْطِ الصَّوْمِ وَالنِّيَّةِ، وَكَذَا الْمَسْجِدُ مِنْ الشُّرُوطِ أَيْ كَوْنُهُ فِيهِ، وَهَذَا التَّعْرِيفُ عَلَى رِوَايَةِ اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ لَهُ مُطْلَقًا لَا عَلَى اشْتِرَاطِهِ لِلْوَاجِبِ مِنْهُ فَقَطْ، مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا لِلنَّفْلِ مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا أَيْضًا إطْلَاقُ قَوْلِهِ: وَالصَّوْمُ مِنْ شَرْطِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، إنَّمَا هُوَ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ، وَلَيْسَ هُوَ عَلَى مَا يَنْبَغِي لِأَنَّهُ إنْ ادَّعَى انْتِهَاضَ دَلِيلِهِ عَلَى الشَّافِعِيِّ لَزِمَهُ تَرْجِيحُ هَذِهِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: وَلَنَا قَوْلُهُ إلَخْ) رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ سُوَيْد بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا وَهْمٌ مِنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، أَوْ مِنْ سُوَيْد، وَضَعَّفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>