للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَمَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ يَلْزَمُهُ بِلَيْلَتَيْهِمَا). وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَا تَدْخُلُ اللَّيْلَةُ الْأُولَى لِأَنَّ الْمُثَنَّى غَيْرُ الْجَمْعِ، وَفِي الْمُتَوَسِّطَةِ ضَرُورَةُ الِاتِّصَالِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ فِي الْمُثَنَّى مَعْنَى الْجَمْعِ فَيَلْحَقُ بِهِ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الْعِبَادَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الشَّهْرَ اسْمٌ لِعَدَدِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، لَيْسَ بِاسْمٍ عَامٍّ كَالْعَشَرَةِ عَلَى مَجْمُوعِ الْآحَادِ فَلَا يَنْطَلِقُ عَلَى مَا دُونَ ذَلِكَ الْعَدَدِ أَصْلًا، كَمَا لَا تَنْطَلِقُ الْعَشَرَةُ عَلَى خَمْسَةٍ مَثَلًا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، أَمَّا لَوْ قَالَ: شَهْرًا بِالنَّهْرِ دُونَ اللَّيَالِي لَزِمَهُ كَمَا قَالَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، أَوْ اسْتَثْنَى فَقَالَ: شَهْرًا إلَّا اللَّيَالِيَ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا فَكَأَنَّهُ قَالَ: ثَلَاثِينَ نَهَارًا، وَلَوْ اسْتَثْنَى لِأَيَّامٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْبَاقِيَ اللَّيَالِي الْمُجَرَّدَةَ، وَلَا يَصِحُّ فِيهَا لِمُنَافَاتِهَا شَرْطَهُ، وَهُوَ الصَّوْمُ

(قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) فِي النِّهَايَةِ: كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَقُولَ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا تَدْخُلُ اللَّيْلَةُ الْأُولَى، كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي نُسَخِ شُرُوحِ الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِمَا أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ عَنْهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ فِي حُجَّتِهِمَا بِقَوْلِهِ: وَجْهُ الظَّاهِرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُثَنَّى غَيْرُ الْجَمْعِ) فَكَانَ لَفْظُهُ وَلَفْظُ الْمُفْرَدِ سَوَاءً، ثُمَّ فِي لَفْظِ الْمُفْرَدِ بِأَنْ قَالَ يَوْمًا لَا تَدْخُلُ اللَّيْلَةُ الْأُولَى بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا التَّثْنِيَةُ، إلَّا أَنَّ الْمُتَوَسِّطَةَ تَدْخُلُ لِضَرُورَةِ الِاتِّصَالِ، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ مُنْتَفِيَةٌ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى.

(قَوْلُهُ أَنَّ فِي الْمُثَنَّى مَعْنَى الْجَمْعِ) وَلِذَا قَالَ «الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ» وَلَوْ قَالَ: لَيْلَتَيْنِ صَحَّ نَذْرُهُ إذَا لَمْ يَنْوِ اللَّيْلَتَيْنِ خَاصَّةً، بَلْ نَوَى الْيَوْمَيْنِ مَعَهُمَا، ثُمَّ خَصَّ الْمُصَنِّفُ الرِّوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمُثَنَّى، وَعَنْهُ فِي الْجَمْعِ مِثْلُ الْمُثَنَّى، وَالْوَجْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ لَا يَنْتَهِضُ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ إدْخَالِ اللَّيْلَةِ الْأُولَى فِي الْجَمْعِ أَيْضًا.

[فَرْعٌ]

لَوْ ارْتَدَّ عَقِيبَ نَذَرَ الِاعْتِكَافِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَلْزَمْهُ مُوجَبُ النَّذْرِ، لِأَنَّ نَفْسَ النَّذْرِ بِالْقُرْبَةِ قُرْبَةٌ فَيَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ كَسَائِرِ الْقُرَبِ. وَنَذْرُ اعْتِكَافِ رَمَضَانَ لَازِمٌ، فَإِنْ أَطْلَقَهُ فَعَلَيْهِ فِي أَيِّ رَمَضَانَ شَاءَ، وَإِنْ عَيَّنَهُ لَزِمَهُ فِيهِ بِعَيْنِهِ فَلَوْ صَامَهُ وَلَمْ يَعْتَكِفْ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ مُتَتَابِعًا بِصَوْمٍ مَقْصُودٍ لِلنَّذْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَعَذَّرَ قَضَاؤُهُ فَلَا يُقْضَى وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَكِفَ عَنْهُ فِي رَمَضَانَ آخَرَ بِاتِّفَاقِ الثَّلَاثَةِ، وَلَوْ لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يَعْتَكِفْ جَازَ أَنْ يَقْضِيَ الِاعْتِكَافَ فِي صَوْمِ الْقَضَاءِ وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ فِي الْأُصُولِ، وَكُلُّ مُعَيَّنٍ نُذِرَ اعْتِكَافُهُ كَرَجَبٍ وَيَوْمِ الِاثْنَيْنِ مَثَلًا فَمَضَى وَلَمْ يَعْتَكِفْ فِيهِ لَزِمَهُ

(قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ) وَهُوَ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ مَلَكَ مَا يُبَلِّغُهُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى أَيَحُجُّ أَمْ يَتَزَوَّجُ؟ فَقَالَ: يَحُجُّ، فَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ بِتَقْدِيمِ الْحَجِّ مَعَ أَنَّ التَّزَوُّجَ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ.

وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ: أَنَّهُ إذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>