(الْحَجُّ وَاجِبٌ عَلَى الْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ الْعُقَلَاءِ الْأَصِحَّاءِ إذَا قَدَرُوا عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَاضِلًا عَنْ الْمَسْكَنِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَعَنْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ إلَى حِينِ عَوْدِهِ وَكَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا)
وَأَمَّا سُنَنُهُ] فَطَوَافُ الْقُدُومِ، وَالرَّمَلُ فِيهِ، أَوْ فِي الطَّوَافِ الْفَرْضِ، وَالسَّعْيُ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ جَرْيًا، وَالْبَيْتُوتَةُ بِمِنًى لَيَالِي أَيَّامِ مِنًى، وَالدَّفْعُ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَمِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى مِنًى قَبْلَهَا، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سَتَقِفُ عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ.
[وَأَمَّا مَحْظُورَاتُهُ فَنَوْعَانِ] مَا يَفْعَلُهُ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ الْجِمَاعُ، وَإِزَالَةُ الشَّعْرِ، وَقَلْمُ الْأَظْفَارِ، وَالتَّطَيُّبُ، وَتَغْطِيَةُ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، وَلُبْسُ الْمَخِيطِ. وَمَا يَفْعَلُهُ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ حَلْقُ رَأْسِ الْغَيْرِ، وَالتَّعَرُّضُ لِلصَّيْدِ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ. وَأَمَّا قَطْعُ شَجَرِ الْحَرَمِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ مَنْقُولًا فَلَا يَنْبَغِي عَدُّهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ حُرْمَتَهُ لَا تُعَلَّقُ بِالْحَجِّ وَلَا الْإِحْرَامِ
(قَوْلُهُ عَلَى الْأَحْرَارِ إلَخْ) وَفِي النِّهَايَةِ: إنَّمَا ذَكَرَ الْأَحْرَارَ وَمَا بَعْدَهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ مَعَ أَنَّهُ مُحَلًّى بِاللَّامِ وَالْمُحَلَّى يَبْطُلُ فِيهِ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ، وَلَمْ يُفْرِدْ كَمَا أَفْرَدَ فِي قَوْلِهِ الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْحُرِّ، إخْرَاجًا لِلْكَلَامِ مَخْرَجَ الْعَادَةِ فِي إرَادَةِ الْجَمْعِيَّةِ، إذْ الْعَادَةُ جَرَتْ وَقْتَ خُرُوجِهِمْ بِالْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ مِنْ الرُّفَقَاءِ، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ الْإِخْفَاءَ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْإِبْدَاءِ. قَالَ تَعَالَى ﴿وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ أَوْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَا أَعَمُّ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ نَظَرًا إلَى السَّبَبِ، فَإِنَّ سَبَبَهُ الْبَيْتُ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ، حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِالْوُجُوبِ عَلَى كُلِّ صَحِيحٍ مُكْتَسِبٍ، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ سَبَبَهَا النِّصَابُ النَّامِي، وَهُوَ يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ شَخْصٍ دُونَ شَخْصٍ، فَكَانَتْ إرَادَةُ زِيَادَةِ التَّعْمِيمِ هُنَا أَوْفَقَ، فَلِذَا أَتَى بِصِيغَةِ الْجَمْعِ مَعَ حَرْفِ الِاسْتِغْرَاقِ اهـ.
وَحَاصِلُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَرَادَ مَعْنَى الْجَمْعِ وَإِنْ كَانَ مَعَ اللَّامِ، وَالدَّاعِي إلَى ذَلِكَ اجْتِمَاعُ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْخُرُوجِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ لَا يُفَادُ مَعْنَى الِاجْتِمَاعِ إذْ لَيْسَ الِاجْتِمَاعُ مِنْ أَجْزَاءِ مَفْهُومِ لَفْظِ الْجَمْعِ وَلَا لَوَازِمِهِ، بَلْ مُجَرَّدُ الْمُتَعَدِّدِ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَصَاعِدًا، وَلِذَا لَا يَلْزَمُ فِي قَوْلِك جَاءَنِي الرِّجَالُ اجْتِمَاعُهُمْ فِي الْمَجِيءِ فَانْتَفَى هَذَا الدَّاعِي، ثُمَّ قَوْلُهُ: إنَّ الْإِخْفَاءَ فِي الزَّكَاةِ أَفْضَلُ يُخَالِفُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي الصَّدَقَةِ النَّافِلَةِ الْإِخْفَاءُ، وَالْمَفْرُوضَةِ كَالزَّكَاةِ الْإِظْهَارُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَثُبُوتُ السَّبَبِ فِي حَقِّ الْكُلِّ إنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ وُجُودِهِ فِي الْخَارِجِ فَالنِّصَابُ أَيْضًا ثَابِتٌ لِذَلِكَ لِتَحَقُّقِ وُجُودِهِ فِي الْخَارِجِ، وَإِنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ سَبَبِيَّتِهِ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ، فَإِنَّ سَبَبِيَّتَهُ بِمُوجِبِيَّتِهِ الْحُكْمَ وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ فِي حَقِّ الْكُلِّ بَلْ فِي حَقِّ مَنْ اتَّصَفَ بِالشُّرُوطِ مَعَ تَحَقُّقِ بَاقِي الشُّرُوطِ الَّتِي يُشْتَرَطُ وُجُودُهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَأَمْنِ الطَّرِيقِ، فَحَقِيقَةُ الْوُجُوبِ شَرْطُ سَبَبِيَّةِ السَّبَبِ لِلْمُتَأَمِّلِ، فَكَانَ كَالنِّصَابِ بَلْ مَحَلُّ الْوُجُوبِ فِي الزَّكَاةِ أَوْسَعُ، لِأَنَّ الشُّرُوطَ فِي الْحَجِّ أَكْثَرُ مِنْهَا فِي الزَّكَاةِ، وَتَوْسِعَةُ التَّفْصِيلِ مِمَّا يُوجِبُ التَّطْوِيلَ، وَبِالْمُتَأَمِّلِ غِنًى عَنْهُ بَعْدَ فَتْحِ بَابِ التَّأَمُّلِ لَهُ، فَكَانَ عَلَى هَذَا إرَادَةُ زِيَادَةِ التَّعْمِيمِ فِي الزَّكَاةِ أَوْلَى. ثُمَّ بَعْدَ التَّسْلِيمِ كُلُّ ذَلِكَ فَزِيَادَةُ التَّعْمِيمِ بِالْجَمْعِ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ عَلَى الْمُفْرَدِ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ مَمْنُوعٌ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ كَلَامِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَنَّ اسْتِغْرَاقَ الْمُفْرَدِ أَشْمَلُ، وَإِنْ أَرَادَ بِالِاسْتِغْرَاقِ الِاجْتِمَاعَ فَفِيهِ مَا عَلِمْت مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إرَادَتُهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ.
(قَوْلُهُ إذَا قَدَرُوا عَلَى الزَّادِ) بِنَفَقَةِ وَسَطٍ لَا إسْرَافَ فِيهَا وَلَا تَقْتِيرَ (وَالرَّاحِلَةِ) أَيْ بِطَرِيقِ الْمِلْكِ أَوْ الْإِجَارَةِ دُونَ الْإِعَارَةِ، وَالْإِبَاحَةُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ. وَلَوْ وُهِبَ لَهُ مَالٌ لِيَحُجَّ بِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْوَاهِبُ مِمَّنْ تُعْتَبَرُ مِنَّتُهُ كَالْأَجَانِبِ، أَوْ لَا تُعْتَبَرُ كَالْأَبَوَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْقُدْرَةَ بِالْمِلْكِ هِيَ الْأَصْلُ فِي تَوْجِيهِ الْخِطَابِ فَقَبْلَ الْمِلْكِ لِمَا بِهِ الِاسْتِطَاعَةُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ (قَوْلُهُ فَاضِلًا) حَالٌ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ (عَنْ الْمَسْكَنِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ) يَعْنِي مِنْ غَيْرِهِ كَفَرَسِهِ وَسِلَاحِهِ وَثِيَابِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute