للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنَّمَا شَرَطَ الْحُرِّيَّةَ وَالْبُلُوغَ بِقَوْلِهِ «أَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ عَشْرَ حِجَجٍ ثُمَّ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَأَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ عَشْرَ حِجَجٍ ثُمَّ بَلَغَ فَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ» وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَالْعِبَادَاتُ بِأَسْرِهَا مَوْضُوعَةٌ عَنْ الصِّبْيَانِ

تَعْرِيضٌ لَهُ عَلَى الْفَوَاتِ فَلَا يَجُوزُ، وَلِذَا يَفْسُقُ بِتَأْخِيرِهِ وَيَأْثَمُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ، فَحَقِيقَةُ دَلِيلِ وُجُوبِ الْفَوْرِ هُوَ الِاحْتِيَاطُ فَلَا يَدْفَعُهُ أَنَّ مُقْتَضَى الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ جَوَازُ التَّأْخِيرِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُخَلَّى الْعُمْرُ عَنْهُ، وَأَنَّهُ حَجَّ سَنَةَ عَشْرٍ، وَفَرْضِيَّةُ الْحَجِّ كَانَتْ سَنَةَ تِسْعٍ، فَبَعَثَ أَبَا بَكْرٍ حَجَّ بِالنَّاسِ فِيهَا وَلَمْ يَحُجَّ هُوَ إلَى الْقَابِلَةِ، أَوْ فُرِضَ سَنَةَ خَمْسٍ، عَلَى مَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «بَعَثَتْ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ضِمَامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ وَافِدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ فَذَكَرَ لَهُ فَرَائِضَ الْإِسْلَامِ: الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَالْحَجَّ».

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَقَدْ رَوَاهُ شَرِيكُ بْنُ أَبِي نَمِرٍ عَنْ كُرَيْبٌ فَقَالَ: فِيهِ «بَعَثَتْ بَنُو سَعْدِ ضِمَامًا وَافِدًا فِي شَهْرِ رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسٍ فَذَكَرَ لَهُ فَرَائِضَ الْإِسْلَامِ: الصَّلَاةَ، وَالصَّوْمَ، وَالْحَجَّ، أَوْ سَنَةَ سِتٍّ» فَإِنَّ تَأْخِيرَهُ لَيْسَ يَتَحَقَّقُ فِيهِ تَعْرِيضُ الْفَوَاتِ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلْفَوْرِ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعِيشُ حَتَّى يَحُجَّ وَيُعَلِّمُ النَّاسَ مَنَاسِكَهُمْ تَكْمِيلًا لِلتَّبْلِيغِ، وَلَيْسَ مُقْتَضَى الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ جَوَازُ التَّأْخِيرِ وَلَا الْفَوْرُ حَتَّى يُعَارِضَهُ مُوجِبُ الْفَوْرِ وَهُوَ هَذَا الْمَعْنَى فَلَا يَقْوَى قُوَّتَهُ، بَلْ مُجَرَّدُ طَلَبِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَيَبْقَى كُلٌّ مِنْ الْفَوْرِ وَالتَّأْخِيرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَذَلِكَ الِاحْتِيَاطُ يَخْرُجُ عَنْهَا، عَلَى أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ قَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ تَارِيخٍ، وَأَمَّا بِالتَّارِيخِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّمَا وَجَدْتُ مُعْضَلَةً فِي ابْنِ الْجَوْزِيِّ، وَقَدْ رَوَاهُ شَرِيكُ بْنُ أَبِي نَمِرٍ عَنْ كُرَيْبٌ فَقَالَ فِيهِ: وَذَكَرَ مَا قَدَّمْنَاهُ.

قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: لَا أَعْرِفُ لَهَا سَنَدًا، وَاَلَّذِي نَزَلَ سَنَةَ سِتٍّ قَوْله تَعَالَى ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ وَهُوَ افْتِرَاضُ الْإِتْمَامِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَنْ شَرَعَ فِيهِمَا. فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْفَوْرِيَّةَ وَاجِبَةٌ، وَالْحَجُّ مُطْلَقًا هُوَ الْفَرْضُ فَيَقَعُ أَدَاءً إذَا أَخَّرَهُ وَيَأْثَمُ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ عَلَى نَظِيرِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الزَّكَاةِ سَوَاءً، فَارْجِعْ إلَيْهِ وَقِسْ بِهِ

(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ أَيُّمَا عَبْدٍ) رَوَى الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمِنْهَالِ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : وَأَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ الْحِنْثَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى، وَأَيُّمَا أَعْرَابِيٍّ حَجَّ ثُمَّ هَاجَرَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى» وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.

وَالْمُرَادُ بِالْأَعْرَابِيِّ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ فَإِنَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ كَانُوا يَحُجُّونَ فَنَفَى إجْزَاءَ ذَلِكَ الْحَجِّ عَنْ الْحَجِّ الَّذِي وَجَبَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَتَفَرَّدَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ بِرَفْعِهِ، بِخِلَافِ الْأَكْثَرِ لَا يَضُرُّ إذْ الرَّفْعُ زِيَادَةٌ، وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَقَدْ تَأَيَّدَ ذَلِكَ بِمُرْسَلٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبِ الْقُرَظِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ أَجْزَأَ عَنْهُ، فَإِنْ أَدْرَكَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ أَجْزَأَ عَنْهُ فَإِنْ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ» وَهَذَا حُجَّةٌ عِنْدَنَا.

وَبِمَا هُوَ شَبِيهُ الْمَرْفُوعِ أَيْضًا فِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: احْفَظُوا عَنِّي وَلَا تَقُولُوا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " أَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ " إلَخْ، وَعَلَى اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ الْإِجْمَاعُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بِوَجْهَيْنِ كَوْنُهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِالْمَالِ غَالِبًا بِخِلَافِهِمَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>