للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا يَكُونُ أَفْضَلَ إذَا كَانَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ أَنْ لَا يَقَعَ فِي مَحْظُورٍ

(وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ فَوَقْتُهُ الْحِلُّ) مَعْنَاهُ الْحِلُّ الَّذِي بَيْنَ الْمَوَاقِيتِ وَبَيْنَ الْحَرَمِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إحْرَامُهُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، وَمَا وَرَاءَ الْمِيقَاتِ إلَى الْحَرَمِ مَكَانٌ وَاحِدٌ (وَمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَوَقْتُهُ فِي الْحَجِّ الْحَرَمُ وَفِي الْعُمْرَةِ الْحِلُّ) لِأَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُحْرِمُوا بِالْحَجِّ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ، وَأَمَرَ أَخَا عَائِشَةَ أَنْ يُعْمِرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ وَهُوَ فِي الْحِلِّ، وَلِأَنَّ أَدَاءَ الْحَجِّ فِي عَرَفَةَ وَهِيَ فِي الْحِلِّ فَيَكُونُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحَرَمِ لِيَتَحَقَّقَ نَوْعُ سَفَرٍ، وَأَدَاءُ الْعُمْرَةِ فِي الْحَرَمِ فَيَكُونُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحِلِّ لِهَذَا، إلَّا أَنَّ التَّنْعِيمَ أَفْضَلُ لِوُرُودِ الْأَثَرِ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

الْإِحْرَامِ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ أَجْمَعُوا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَغَيْرِهِ، فَيَجِبُ حَمْلُ الْأَفْضَلِيَّةِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ مِنْ دَارِهِ إلَى مَكَّةَ دُونَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، كَمَا قَيَّدَ بِهِ قَاضِي خَانْ وَإِنَّمَا كَانَ التَّقْدِيمُ عَلَى الْمَوَاقِيتِ أَفْضَلَ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ تَعْظِيمًا وَأَوْفَرُ مَشَقَّةً، وَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ الْمَشَقَّةِ، وَلِذَا كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ الْإِحْرَامَ بِهِمَا مِنْ الْأَمَاكِنِ الْقَاصِيَةِ.

وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ مِنْ الْبَصْرَةِ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ الشَّامِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ الْقَادِسِيَّةِ، وَقَالَ «مَنْ أَهَلَّ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِعُمْرَةٍ أَوْ حَجَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد بِنَحْوِهِ. ثُمَّ هَذِهِ الْأَفْضَلِيَّةُ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا كَانَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ .

ثُمَّ إذَا انْتَفَتْ الْأَفْضَلِيَّةُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ نَفْسَهُ هَلْ يَكُونُ الثَّابِتُ الْإِبَاحَةَ أَوْ الْكَرَاهَةَ؟ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ. فَالْحَاصِلُ تَقَيُّدُ الْأَفْضَلِيَّةِ فِي الْمَكَانِ بِمِلْكِ نَفْسِهِ، وَالْمَشْهُورُ فِي الْكَرَاهَةِ فِي الزَّمَانِ عَدَمُ تَقَيُّدِهَا بِخَوْفِ مُوَاقَعَةِ الْمَحْظُورَاتِ، فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الْمُنَاسِبُ التَّعْلِيلُ لِلْكَرَاهَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ بِكَوْنِ الْإِحْرَامِ قَبْلَ وَقْتِ الْحَجِّ وَهُوَ أَشْهُرُ الْحَجِّ كَمَا عَلَّلَ بِهِ الْفَقِيهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ.

وَقِيلَ فِي الزَّمَانِ أَيْضًا التَّفْصِيلُ إنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ لَا يُكْرَهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَإِلَّا كُرِهَ، وَلَا أَعْلَمُهُ مَرْوِيًّا عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، فَالْأَوْلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَئِمَّتِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ إطْلَاقِ الْكَرَاهَةِ وَتَعْلِيلُهَا إنَّمَا يَكُونُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِهِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَكَأَنَّهُ أُشْكِلَ عَلَى مَنْ خَالَفَ إطْلَاقُهُمْ التَّعْلِيلَ بِذَلِكَ فَفَصَّلُوا. وَالْحَقُّ هُوَ الْإِطْلَاقُ وَالتَّعْلِيلُ بِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى شَبَهِ الْإِحْرَامِ بِالرُّكْنِ، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا فَيُرَاعَى مُقْتَضَى ذَلِكَ الشَّبَهِ احْتِيَاطًا، وَلَوْ كَانَ رُكْنًا حَقِيقَةً لَمْ يَصِحَّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِذَا كَانَ شَبِيهًا بِهِ كُرِهَ قَبْلَهَا لِشَبَهِهِ وَقُرْبِهِ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ، فَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْوَجْهِ وَلِشَبَهِ الرُّكْنِ لَمْ يَجُزْ لِفَائِتِ الْحَجِّ، اسْتِدَامَةُ الْإِحْرَامِ لِيَقْضِيَ بِهِ مِنْ قَابِلٍ

(قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ) أَوْ فِي نَفْسِ الْمَوَاقِيتِ (فَوَقْتُهُ الْحِلُّ) مَعْلُومٌ إذَا كَانَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ الَّذِي هُوَ الْحِلُّ، أَمَّا إذَا كَانَ سَاكِنًا فِي أَرْضِ الْحَرَمِ فَمِيقَاتُهُ كَمِيقَاتِ أَهْلِ مَكَّةَ وَهُوَ الْحَرَمُ فِي الْحَجِّ وَالْحِلُّ فِي الْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَ أَصْحَابَهُ) رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>