(وَشَعْرُ الْإِنْسَانِ وَعَظْمُهُ طَاهِرٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: نَجِسٌ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَلَنَا أَنَّ عَدَمَ الِانْتِفَاعِ وَالْبَيْعِ لِكَرَامَتِهِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
جَامِدَةً تَطْهُرْ بِالْغَسْلِ وَإِلَّا تَعَذَّرَ طُهْرُهُمَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَا بِمُتَنَجِّسَيْنِ، وَعَلَى قِيَاسِهِمَا قَالُوا فِي السَّخْلَةِ إذَا سَقَطَتْ مِنْ أُمِّهَا وَهِيَ رَطْبَةٌ فَيَبِسَتْ ثُمَّ وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ لَا يَنْجُسُ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي مَعْدِنِهَا، فَهَاتَانِ خِلَافِيَّتَانِ مَذْهَبِيَّةٌ وَخَارِجَةٌ.
لَنَا فِيهَا أَنَّ الْمَعْهُودَ فِيهَا حَالَةَ الْحَيَاةِ الطَّهَارَةُ، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ الْمَوْتُ النَّجَاسَةَ فِيمَا تَحُلُّهُ وَلَا تَحُلُّهَا الْحَيَاةُ فَلَا يَحُلُّهَا الْمَوْتُ، وَإِذَا لَمْ يَحُلَّهَا وَجَبَ الْحُكْمُ بِبَقَاءِ الْوَصْفِ الشَّرْعِيِّ الْمَعْهُودِ لِعَدَمِ الْمُزِيلِ، وَفِي السُّنَّةِ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ ﷺ «فِي شَاةِ مَوْلَاةِ مَيْمُونَةَ حِينَ مَرَّ بِهَا مَيِّتَةً إنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا» فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَفِي لَفْظٍ «إنَّمَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ لَحْمُهَا وَرُخِّصَ لَكُمْ فِي مَسْكِهَا» وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «إنَّمَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ الْمَيْتَةِ لَحْمَهَا، فَأَمَّا الْجِلْدُ وَالشَّعْرُ وَالصُّوفُ فَلَا بَأْسَ بِهِ» وَأَعَلَّهُ بِتَضْعِيفِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ مُسْلِمٍ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، فَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ فَلَا يَنْزِلُ الْحَدِيثُ عَنْ الْحَسَنِ. ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْت ﷺ قَالَ «﴿قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْمَيْتَةِ حَلَالٌ إلَّا مَا أُكِلَ مِنْهَا» فَأَمَّا الْجِلْدُ وَالْقُرُونُ وَالشَّعْرُ وَالصُّوفُ وَالسِّنُّ وَالْعَظْمُ فَكُلُّهُ حَلَالٌ لِأَنَّهُ لَا يُذَكَّى، وَأَعَلَّهُ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ هَذَا مَتْرُوكٌ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ عَنْهُ ﷺ «لَا بَأْسَ بِمَسْكِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَ، وَلَا بَأْسَ بِصُوفِهَا وَلَا شَعْرِهَا وَقُرُونِهَا إذَا غُسِلَ بِالْمَاءِ» وَضَعَّفَهُ بِأَنَّ يُوسُفَ بْنَ أَبِي السَّفْرِ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ مَتْرُوكٌ.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَمْتَشِطُ بِمُشْطٍ مِنْ عَاجٍ» قَالَ: وَرِوَايَةُ بَقِيَّةَ عَنْ شُيُوخِهِ الْمَجْهُولِينَ ضَعِيفَةٌ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْعَاجُ الذَّبِلُ وَهُوَ ظَهْرُ السُّلَحْفَاةِ. وَأَمَّا الْعَاجُ الَّذِي تَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ عَظْمُ أَنْيَابِ الْفِيلِ فَهُوَ مَيْتَةٌ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ انْتَهَى. وَفِيهِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَوْهَمَ أَنَّ الْوَاسِطِيَّ مَجْهُولٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالْآخَرُ إيهَامُهُ بِقَوْلِهِ الَّذِي تَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ اللُّغَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَ فِي الْمُحْكَمِ: الْعَاجُ أَنْيَابُ الْفِيَلَةِ، وَلَا يُسَمَّى غَيْرُ النَّابِ عَاجًا.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْعَاجُ عَظْمُ الْفِيلِ الْوَاحِدَةُ عَاجَةٌ
فَبِهَذَا يَكُونُ إنْ صَحَّ مَا عَنْ الْأَصْمَعِيِّ تَأْوِيلًا لِلْمُرَادِ لَمَّا اعْتَقَدَ نَجَاسَةَ عَظْمِ الْفِيلِ. فَهَذِهِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ لَوْ كَانَتْ ضَعِيفَةً حُسِّنَ الْمَتْنُ فَكَيْفَ وَمِنْهَا مَا لَا يَنْزِلُ عَنْ الْحَسَنِ وَلَهُ الشَّاهِدُ الْأَوَّلُ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ، ثُمَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يُبْطِلُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مِنْ نَجَاسَةِ عَيْنِ الْفِيلِ، وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا فِي الْمَذْهَبِيَّةِ التَّنَجُّسُ بِالْمُجَاوِرَةِ.
وَلَهُ أَنَّهُ لَا أَثَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute