للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالوا: لا فخرج عَلَيَّ ابن له جفر (١) فقلت له أين أبوك؟ قال: سمع صوتك فدخل أريكة أمي فقلت اخرج إلي فقد علمت أين أنت فخرج فقلت: ما حملك على أن اختبأت مني؟ قال أنا والله أحدثك ثم لا أكذبك خشيت والله أن أحدثك فأكذبك وأن أعدك فأخلفك وكنت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكنت والله معسرا, قال: قلت آلله, قال: الله قلت: آلله قال: الله قلت: آلله قال: الله قال فأتى بصحيفته فمحاها بيده فقال إن وجدت قضاء فاقضني وإلا أنت في حل فأشهد بصر عيني هاتين (ووضع إصبعيه على عينيه) وسمع أذني هاتين ووعاه قلبي هذا (وأشار إلى مناط قلبه) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: (من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظله) (٢).

فتأمل حال المدين في هذه القصة وما ركبه من الهم, خوف ألا يراه الدائن, لأنه لايستطيع الأداء, وحال أبي اليسر رضي الله عنه قبل أن يعرف عذر المدين, وبعد أن استبصر حاله وعرف عذره.

إن هذا الحديث لمن أدل الدلائل على ما في إنظار المعسر من رفع الحرج عنه, وتخفيف ما يجد من مخافة الكذب أو خلف الوعد.

وفي الآية كذلك ترغيب لأصحاب المال وزيادة فضل لهم بترغيبهم في التجاوز عن المدين إذا رغبوا في ذلك, فهو خير لهم وأفضل عند الله.

وكما أمر الله الدائن بإنظار المعسر لما فيه من التيسير والتخفيف عنه, فقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من مطل الغني, حتى لا يتخذها من ضعفت نفسه ذريعة في المماطلة وتأخير الأداء, وفي ذلك مشقة على الدائن أن يرى مدينه وقد أغناه الله ولا يريد أداء ما عليه.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه, أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (مطل الغني ظلم) (٣).

وبهذا يعلم أن التيسير بين العباد هو من التيسير الذي رضيه الله لعباده وأمر به.


(١) الجفر: هو من قارب البلوغ (انظر: شرح النووي على صحيح مسلم ١٨/ ١٣٥).
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه, كتاب الزهد والرقائق, باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر, برقم (٣٠٠٦).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه, كتاب المساقاة, باب مطل الغني ظلم, برقم (٢٢٧٠) , ومسلم في صحيحه, كتاب المساقاة, باب تحريم مطل الغني وصحة الحوالة واستحباب قبولها إذا أحيل على مليء برقم (١٥٦٤).

<<  <   >  >>