للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا علم المكلف هذه الحِكم واستشعرها أقبل على ربه حين يصلي خاشعا متخشعا سائلا مولاه أن تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر, وصام حتى تصوم نفسه وجوارحه عما حرم الله, وإذا أراد النكاح كانت نيته أن يعف نفسه، وأن يرزقه الله ذرية طيبة، فإن لم يستطع بَذَل جميع الوسائل في إعفاف نفسه, وهكذا يكون حاله في جميع ما أمر الله به أو نهى عنه بعيدا عن التخبط قريبا إلى الصواب، إذا وفقه الله وكان على علم بهذه الحكم. (١)

٣ - إن معرفة الحكم من الأمور التي تعين العبد على شكر ربه وذكر آلائه:

فإن الله تعالى كما خلق الإنسان في أحسن تقويم، وكما يسر الله له من أمور معاشه ما يقتات به ويصلح أمره، فقد جعل شريعته ودينه أكمل الشرائع وأعظمها وأحسنها وأحكمها, فقد كمل لنا الدين وأتم لنا النعمة ورضي لنا الإسلام دينا كما قال تعالى:

{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣]. وامتن علينا في غير ما آية بهذا الدين القويم والرسول الأمين - صلى الله عليه وسلم - فقال: {{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (١٦٤)} [آل عمران: ١٦٤] وقال: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢)} [الجمعة: ٢] وهذه المنة بهذا الشريعة الغراء التي هي شاهدة على كمالها بذاتها تستوجب من العباد شكر معبودهم جل وعلا, فكيف بمن اطلع على شيء من حكمته تعالى في دينه, وعلم بعضا من أسرار شريعته أفلا يجدر به - بطريق الأوْلى - أن يكون من الشاكرين؟! (٢)

٤ - زيادة الإيمان واطمئنان القلب:

وذلك أن الحُكْم إذا أتى من الشارع سبحانه وتعالى سلّم العبد وانقاد للعمل به لأنه تنزيل من حكيم حميد كما قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ


(١) انظر: حجة الله البالغة. الكاندهلوي (١/ ٦٢) , مقاصد الشريعة عند ابن تيمية (١٠٣).
(٢) انظر: مفتاح دار السعادة, ابن القيم (٢/ ٣٠٨).

<<  <   >  >>