للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٧ - معرفة الحكم تعين على فهم الأدلة والأحكام الشرعية (١)

فمن المعلوم أن دلائل الألفاظ تتفاوت، فمن المتكلمين من هو أقدر على نصب العلامات على المراد من كلامه منه من بعض آخر, ومنهم من يتطرق الاحتمال في كلامه أكثر مما يتطرق إلى شخص آخر, ولذلك فإن الكلام لا يستغني أن تحفه ملامح من السياق ومبينات الألفاظ، ومقامات الخطاب فتكون معينة على فهم مراد المتكلم. وإزالة الاحتمالات المتطرقة له.

وإن أدق مقام في الدلالة وأحوجه إلى الاستعانة عليها هو مقام التشريع، فلابد أن يستعين الفقيه في فهم الأدلة بما يحيط بها من قرائن، ولذلك لم يستغن الفقهاء عن استقصاء تصرفات الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا عن استنباط العلل والحكم، بل كان بعضهم يرحل إلى مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يتضح له ما يستنبط من العلل تبعا لمعرفة الحِكَم والمقاصد.

ومن ذلك قول ابن عمر رضي الله عنه: (ما أُرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك استلام الركنين اللذين يليان الحِجْر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم) (٢) لأنه كان لا يرى مزية في التفريق بين الركن اليماني وغيره من الأركان غير الحجر الأسود حتى سمع من عائشة رضي الله عنها قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ألم تري أن قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم) (٣). فقلت يا رسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم قال: (لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت) , فعَلِم بذلك الحكمة من تركه - صلى الله عليه وسلم - استلام الركنين اللذين يليان الحِجر.

٨ - معرفة الحِكم وسيلة ضرورية في الدعوة إلى الله تعالى:

فبمعرفتها يتم تذكير الناس وإرشادهم بحكمة خلقهم، وحثّهم على تطبيق الشريعة لما فيها من المصالح العظيمة, وتتبيَّن لهم المصالح والحكم المترتبة على ما يقومون به من المأمورات والمفاسد التي تُدرأ حين يمتنعون عن المنهيات, فالطبيعة البشرية تحب ما يجلب لها الخير وتميل نفوسهم إلى ما ظهر لهم حكمته.


(١) انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية لابن عاشور (٢٠٤,٢٠٣) ,طرق الكشف عن مقاصد الشارع (٤٥)
(٢) صحيح البخاري, كتاب الحج, باب فضل مكة وبنيانها، برقم (١٥٠٦) , ومسلم، كتاب الحج، باب نقض الكعبة وبنائها، برقم (١٣٣٣).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه, كتاب الحج, باب فضل مكة وبنيانها, برقم (١٥٠٦) , ومسلم في كتاب الحج, باب نقض الكعبة وبنائها برقم (١٣٣٣).

<<  <   >  >>