للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن ذلك فقال: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} فعن مجاهد قال: (الضرار: أن يطلق الرجل امرأته ثم يراجعها عند آخر يوم يبقى من الأجل، حتى يفي لها تسعة أشهر، ليضارها به)

وعن قتادة قال: (هو في الرجل يحلف بطلاق امرأته، فإذا بقي من عدتها شيء راجعها يضارها بذلك ويطول عليها، فنهاهم الله عن ذلك) (١).

بل أمره الله تعالى إن أمسكها أن يمسكها بمعروف أو أن يفارقها بمعروف، والمعروف هو ما تعارفه الأزواج من حسن التعامل في المعاشرة أو الفراق, فإن أمسكها فإنه يحسن لقاءها ويعود لحسن المعاشرة, والمعروف في الفراق ألا يذكرها بسوء في غيبتها ويكف لسانه عن ذكرها بسوء (٢) , فهذه هي تقوى الله حقا, ومن خالف ذلك فهو غير متق وقد ظلم نفسه, وظلْم النفس يؤثر على العبد في دينه ودنياه، أما في دينه فإنه يكسب بذلك إثما لمخالفته أمر ربه, ويعرض نفسه للعقاب, ويضيع على نفسه ما أعد الله من الثواب لمن أطاعه وأحسن إلى زوجه.

أما في الدنيا فإنه يعيش في بيته مضطربا قلقا, ويصبح خاطره مكدرا بالخصومات والمشاحنات, وقد يشتهر ذلك عنه فيؤدي إلى رغبة النساء عنه لاتصافه بهذا الفعل القبيح (٣).

أما من اتقى الله تعالى فتعامل بالمعروف في الإمساك أو المفارقة فقد وعده الله بالصلاح والفوز في الدنيا والآخرة فقال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} -والسياق في هذه الآية نكرة في سياق الشرط فهو يفيد العموم- (٤)

وقال في الآية التي تليها: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (٤) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (٥)} [الطلاق: ٤ - ٥].


(١) {أخرجه الطبري في تفسيره (٥/ ٩) عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة.
(٢) {انظر: التحرير والتنوير (٢٨/ ٣٠٨).
(٣) {انظر: (جامع البيان (٥/ ١١) , البحر المحيط (٢/ ربيع أول ربيع أول صفر) , التحرير والتنوير (٢/ ٤٢٣).
(٤) {انظر: الإتقان في علوم القرآن (١/ ٦٣٢).

<<  <   >  >>