للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: ولما انقضت مدة الأمان فتحت لأولياء الله أبواب الجنان، وذكرنا أن النزول على آمد في سابع عشر ذي الحجة وكان الاشتغال بالقتال باقي السنة فما استهلت السنة إلا وقد سفرت الحسنة ونطقت للبشاير الألسنة، وقيل للسلطان هذه آمد فيها ذخائر تربى على ألف ألف دينار، وما دخلت عن الوعد بأمد في شرط ولا قرار فقد بها المهام وخص وعم بها الخواص والعوام، وابن قرار أرسلان يقنع بأمد فارغة ويعدها حجة بالغة ونعمه سابغة فقال: نور الدين صار من أشياعنا فلا نضني عليه بهذه الأشياء ولا يظن بجحود هذه النعمة وهبنا وهبنا له الأصل مع الضفة بالفرع فما يليق بما سننته مكرماتنا من الشرع. فأما ما كان في الإهراء من أجناس الغلات وأنواع الحبوب فما يحويه علم المظنون وعلم المحسوب وأما الأمتعة والأسلحة (٢١٢ب) والعدد فما يحسره العدد ومنها أن برجا من سور المدينة يحتوي على ثمانين ألف شمعة، وأما المستعملات الأمدية من البسط والفرش والخيام فلا يدخل حصرها تحت الأوهام وكان من جملة المستودعات القطن فقد أمتلئ به البلد ولا أقول الخزن وذكر أنه بيع منه سبع سنين فما فنى مع أن متولي البلد ببيعه غنى قال: وإنما ذكرت ذلك ليعلم أن الدنيا ما كان لها عند السلطان قدر وأنه لم ينطوا منه على قلبها صدر فأول يوم فتحها نصبت على سورها أعلامه ونفذت فيها أحكامه ثم سلمها إلى نور الدين بن قرار أرسلان وكتبت له بها وبأعمالها التقليد وتسلم منى لمغاليق المعاقل الاقليد واستعبد السلطان منه حرا وفاة ثمنه ووفى له ومكنه.

قال: ودخل السلطان إلى المدينة وجلس في دار الإمارة فهي على أحسن ما يمكن من العمارة، عالية الأبواب حالية البنيان رايقة الرواق شايقة الإشراق يحدث ربيع ربوعها بنيسان وتحدث ذكرى نباهتها بناء نسيانها هذه شيمة الدنيا لا يمق وامقا ولا يرمق رامقا في جنى منها جنت عليه، ومن علت يده فيها علت عليه وقد ظهرت آثار غدرها بابن نيسان حيث غادرته وقد رجا نصرها مخذولا، وتركته وقد اعتصم بها مبتذلا لليالي مبذولا، وهكذا نور الدين امتد زمانه وامتد إلى داره بعد سنين مكانه وسيأتي ذلك في موضعه ويشرح شأنه. ولما استقر السلطان في الدار استحضر نور الدين وأخذ يده واستوثق معه لحلف أكده وعقد ميثاق عقده وعاهده من طاعته على ما عهده وأقامه لملكه وفي دسته أقعده وشرط عليه طاعته وفي كل غزاة متابعته ومبادرته عند الاستدعاء ومسارعته وأنه يعمر البلد وأعماله ويعمها بإحسانه ويعيد ما تشعث منها إلى عمرانه ويسقط المكوث ويغبط النفوس ويبغى السعود ويمحى النفوس ثم استودعته وودعه بعد إن نور العيون مطلعه وأوضح وأعذب منهجه ومنهله وأتاه بجميلة تفصيلية جملة.

[ذكر القوام أحمد بن سماقة وزير نور الدين محمد بن قرار أرسلان]

قال: كان صدرا رحيب الصدر جليل القدر متحببا إلى القلوب بكرمه متقربا إلى الملوك بخدمته ناصحا بخدمة مخدومه مدبرا بقلمه لإقليمه، وهو الذي عطف قلب السلطان على صاحبه باستعطافه ونال مراده منه باستسعافه. ولما سأله السلطان في مبتدأ سفارته ومفتتح زيارته عن مشتهى مخدومه ومنتهى مرومه وما العمل الذي يقترحه وما الذي يستنجحه فقال: أنا أباه فخر الدين قرار أرسلان درج على جبره آمد فإن فتحتها له استعبدته للأبد وأرشدته للجد لخدمتك إلى أوضح الجدد وأخذ اليد الناصرية لإتخاز يد نصرته وحسر لثام الحرص على تحصيل ما هو في حسرته فسبق الوعد وصدق واتفق من الفتح ما اتفق وكان الوزير المنعوت بقوام الدين قوام دولته وقوام مملكته. ودخل إلى سلطانه من باب عرفان وانتظم مع إخوانه ولم يزل نحوى مترددا وإلى متوددا حتى أخجلني بمننه وأثقلني بمنحه وشغلني بفروضه وسننه وجعلني في مقاصده مقصدا واتخذ عندي بصدق صداقته يدا، ونجحت له عند السلطان وسهلت حجابه وصوبت يديه آراءه وآلايه وقرر لي على مخدومه وظائف عطايا ورواتب هدايا استمرت من إحسانه واستقرت إلى أخر زمانه وسيأتي ذكر ذلك في مكانه ذكر الرحيل عن آمد والتوجه إلى الفرات لقصد حلب والولايات

<<  <   >  >>