ولما توفي العاضد أمر السلطان بالاحتياط على أولاده في موضع خارج القصر جعله برسمهم على الانفراد، وقرر ما يكون رسمهم للكسوات والأقوات والازواد قال: وهم إلى اليوم في حفظ قراقوش واحتياطه واستظهاره يكلؤهم ويحرس بعين حزمه في ليلة ونهاره وجمع الباقين من عمومتهم وعترتهم من القصر في إيوان وأبعد عنهم النساء لئلا يتناسلوا وهم الآن محصورين وقد نقص عددهم وقلص عددهم. ثم عرض من بالقصر من الجواري والعبيد أكثرهن حراير فأطلقهن، وجمع أموال لهن موات فأعتقهن وجمع الباقيات فوهبهن وفرقهن وأخلى دوره وأغلق قصوره وسلط الجود على الموجود وأبطل الوزن والعد عن الموزون والمعدود وأخذ كلما صلح له ولأهله وأمرائه وخواص مماليكه وأوليائه من أخاير الذخاير وزاواهر الجواهر والعقود والنقود والمنظوم والمنضود وما لا يعد إحصاء ولا يعد استقصاء فوقع فيها القضاء وكشف عنها الغطاء وأرسف فيها العطاء، وأطلق البيع بعد ذلك في كل رخيص منها وغال وبال وأسمال ومنقول ومحمول ومصنوع ومعمول واستمر البيع فيها مدة عشر سنين وتنقلت إلى البلاد بأيدي المسافرين ومن جملتها الكتب فأني قد أخذت منها جملة في سنة اثنتين وسبعين وكانت خزاينها مشتملة على قريب من مائة وعشرين ألف مجلدة مؤيدة من العهد القديم مخلدة، وفيها بالخطوط المنسوبة ما اختطفته الأيدي واقتطفه التعدي ونقلت منها ثمانية أحمال إلى الشام وتقاسم الخواص بدور القصر وانتقل إليه الملك العادل سيف الدين لما ناب عن أخيه واستمر سكناه فيه.
وخطب لأمامنا المستضيء في قوص وأسوان والصعيد البشاير وسار بها البادى والحاضر وتملك السلطان أملاك المنتمين إليهم من أشياعهم وضرب الألواح على دورهم ورباعهم ثم ملكها أمراءه وخص بها أولياءه وباع منها أماكن ووهب مساكن.
كتاب فاضلي من صلاح الدين إلى المبارك بن منقذ والى قوص وكتابنا هذا وارد على الأمير مجد الدين: عندما كان من نفوذ قضاء الله وقدره محتوماً فيما منصوباً وموسوماً وذلك لمرض امتدت فيه أيامه واستولت عليه آلامه إلى أن انقصمت به عراه وانحلت معه قواه وأتاه من أمر الله ما أتاه وحضرنا في إيوانه ونقلنا بانتقاله أسرار الأمر إلى خلانه ليعلم أن الله استأثر (١٧٤أ) بوفاته وآثره لحسن العهد بموافاته وبلغنا الغاية في أحمال أمره والتوديع له إلى قبره واطابة نفوس مخلصيه وإقرارهم في قصره وانكفأنا إلى مستقرنا والأمور لدينا مطردة والأحوال قبلنا متمهدة والدهماء ساكنة والدنيا بنظرنا آمنة، وسبيل الامير أن يوعز إلى الخاطئ يوم الجمعة بالدعاء لمن الكلمة عليه مجموعة والدعوة له في الاقطار مسموعة وهو الامام المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين ولا يلزم الناس العافية فإنها أسبغ عطاء وأسبل غطاء في تنقل الأيام عبرة (لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد) ومن تعظه الأيام من قريب (فأولئك ينادون من مكان بعيد) .
قال: وكان صلاح الدين لا يخرج عن أمر نور الدين ويرجع في جميع النصائح إلى رأيه المتين وقد كان كاتبه نور الدين في شوال سنة ست بتغيير الخطبة وانتزاع نكر هذه القضية وأيقن أن أمره متبوع وقوله مسموع ونطقت بذلك الخواص والعوام فسير نور الدين شهاب الدين أبا المعالي المطهر بن الشيخ شرف الدين بن أبي عصرون بهذه البشارة وإشاعة ما تقدم له بها من الإشارة وامرني بإنشاء بشارة عامة تقرأ في ساير بلاد الإسلام وبشارة خاصة للديوان العزيز بحضرة الإمام في مدينة السلام.
ذكر وصول عماد الدين صندل رسولاً من دار الخلافة
بالخلع والتشريفات لنور الدين، وصلاح الدين قال: كان عماد الدين صندل هذا من أكابر الخدم المقتفوية وتولى استاذيه الدار العزيزة بعد عزل عماد الدين بن عضد الدين عنها وهو أكبر من أرسل وجاء بالتشريف لنور الدين بأهبته السوداء العراقية وحلله الموشية وطوقه الثقيل وسرجه الخاص الشريف وحصانه المنيف ولواء الحمد المعقود وفرجية النسج المعمود ومثال التقليد المشهور وكتاب التقريظ المحمود.