ومما ينهيه الخادم وفاة شاه أرمن أورث الله المواقف المقدسة أعماق الخلايق ونصر ألوية أوليائها في المغارب والمشارق ولم يخلف أحدا وبلاده سايبة شاغرة وأفواه المطامع من الأعاجم نحوها فاغرة وكذلك ديار بكر جميعها قد خلت واختلت ومعاقد الاستقامة بها قد حلت. فصاحب ماردين توفى وخلف ابنين صغيرين أحدهما في عمر عشر سنين والأخر في عمر سنتين، كذلك صاحب حصن كيفا توفى وله ولد في عمر عشر سنين ودولتشاه صاحب أرزن وبدليس موجود في حكم العدم ومن علة الصرع كلحم على وضم وخلاط الآن قد صار طعمه العاجم وابنة بهلوان فما زوجها أبوها من صاحب خلاط إلا طمعا في مملكته وأن يحتوى بعده على ولايته. والخادم منذ نزل على الموصل لم يشتغل بالحصر لما اشتغل من وقد الحر ورأى الصابرة إلى يطيب الزمان وشرع في تحويل دجلة الموصل عنها واحضر المهندسين فوجدوه هينا والنفع لسهولة الفتح بينا وأحضرت الآلات وشرعت في حفر المحولات فلما وصل خبر وفاة صاحب خلاط (٢٢٢ ب) تردد عزمه في الإقامة والرحيل ثم وردت كتب المقدمين هناك في مسيره راغبين وللأعاجم كارهين فتعين حينئذ أن يجيب المستدعي ويجر المستدعى. أما الموصل فما يفوت أمر هؤلاء يعيد بعد العود إليها بمشيئة الله حصرها. ومنه وقد عرف أنه لم بق لتلك الممالك خصم سوى البهلوان وما مقابلته إلا الخادم وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم وهو يسأل من العوارف الجزيلة ويرغب إلى العرايد الجميلة في مثال شريف يجمع ديار بكر وخلاط والموصل حتى يفتتح بتقاليده الأقاليم ويسلك بهدايته في النصر على الأعداء.
[ذكر رحيلنا إلى ديار بكر قال رحل السلك]
كان بعسكره عن الموصل في أواخر شهر ربيع الآخر سيرا ببحر جحافله الزاخر جامعا بالبأس والفأل وشمل المفاخر، يتقدم إلى أبن عمه ناصر الدين بن شيركوه أن يسير في المقدمة إلى الخلاط ثم قواه بمظفر الدين صاحب حران فلما وصلوا هناك وجدوا من المتغلبين بها الحران. وكان سيف الدين بكتمر من مماليك شاه أرمن قد دخلها وحمى معقلها فوقف ناصر الدين دونها وحبس على طيور سكانها وكونها، وكان قد جاور بدليس إلى الطيطوانه ولو سبق إلى المكان لم يسبق إلى المكانة لكن وزير خلاط مجد الدين بن رشيد كان يظهر للسلطان فناصحته ويسر مشايعته ويبدي الإشفاق ويذكر الوفاق وهو في ذلك صاحب عثار وطالب إيثار فكتب إلى ناصر الدين للإقامة على القرب لتحقيق الهيبة به والرعب وجاء بهلوان في عساكر الشرق وهو شمس الدين أبو جعفر محمد بن أيدكز متولي البلاد بقضه وقضيضه وسمره وبيضه ونزل بقرب خلاط من الجانب الآخر وقيل أن الوزير أيضا كاتبه وأطعمه وأفضى إليه بسر خلوصه وأستودعه وهو في أثناء ذلك يثقل الموازين حتى آل الأمر إلى ما آل وتولى بكتمر وأنصرف الحاج والمعتمر وسيأتي ذكر ذالك.