قال: أقام الملك عز الدين فرخشاه بعد أن صار السلطان إلى مصر بالشام فهيب ورجى وأمل وخشى فعن للفقيه العلم خطيب مرة أن يزور إلى السلطان مثالا يتضمن له منالا شبيه فيه بالخط السلطاني وخطى ووقع له أن يصيب بالتوقيع وهو المخطي فعرضه على عز الدين فما خفى عليه تزويره ودار في الإيقاع به مع أنه من أهل العلم تدبيره، وهابه العلم وارتاع وارتاب وأجاب غراب البين ونوى الإغتراب ووصل إلى مصر وهو مرتعد ومرتعب وقد سير عز الدين بالتوقيع المزور إلى مصر نجانا وترقب في أمره بالعنف جوابا فما تحدث السلطان (٢٠٥ب) بحديثه بل أذن للعلم في الدخول وأجلسه إلى جانبه وأكرمه وسأله فيما وفد لأجله من مطالب وأنسه بالبشر والطلاقة وصان ماء وجهه من الإراقة فقال له: أية حاجة أوفدتك وأية ضرورة ن قرب الأهل بعدتك فهل كتبت إلينا بالغرض فكنا نعد قضاءه من المفترض فقال له: أصصدقك عن حالي وأخلي بالي المشغول عن بلبالى قد جرى مني كيت وكيت فضاق بي بعده البيت فقال: هذه القضية تعزي بك إلى التغريب وأنت تثري بمأمولك ولا تثريب ونحن ما نحقق ما عدوه مزورا ونودع روح المعلي فيما أحضر مصورا وأمرني بأن أكتب له توقيعا بضعف ذلك الإدرار وكتب له بخطه الأشرف وشرفه بالكسى والمال وأعاده إلى الديار فتعجب الناس من هذه الرغبة الغريبة والصنيعة البديعة فعادة السلاطين الإنتقام ممن يزور على توقيعهم بالإيقاع الشنيع والعقاب الفظيع فخالف تلك الطباع وخرق ذلك الإجماع وأبدع مع عفوه الإصطناع.
وقال ومن كرمه وحلمه أنه كان له أمام يصلي به وهو يكتب مثل خطه فأطلق به أموالا وأصلح وأنجح بتزويره لأصدقائه أحوالا وآمالا ولا يشك صاحب ديوان ولا متولي حزانة في أنه صحيح وبالجود صريح فلما دام سنين انكشف وشارف عند السلطان التلف وجلس خواص السلطان واماؤه عنده يغزونه به فمنهم من يقول تقطع يده ومنهم من يقول يقتل ويعلق جسده فلما فرغوا من حديث العقوبة جذبته المثوبة وقلت له بالعجمية سرا تهبه للقرآن فقال وهبته مرضاة للرحمن فتنفس خناقه وعجل وكاد يحبس أطلاقه وأبقى عليه خيره حين استبدل به غيره وصار بعده للملك العادل أماما وبقي شغله معه مستداما وعزم ذلك الإمام على الحج ذلك العام فودع السلطان وقال له اجعلني في حل فقال السلطان: بل أنت تدعو إلي في حلك والإحرام وثق مني عند عودتك بالبر والإكرام.
[ذكر سهوة تطير]
قال: كان السلطان عشية توديعه لأهل مصر جالسا في سرادقة آنسا بفيالقه والمجلس غاص وعارض فضله بتلك العراض عراض وكل واحد منا ينشد بيتا في الوداع، ويورد أحسن ما قيل في برح النزاع وهو يقول ما أعبق هذا الشميم وأطيب هذا النسيم، وما أزهى هذه الأزهار وما أسحر هذه الأسحار فأخرج أحد مؤدبي أولاده رأسه وصوب للتنفس كريه أنفاسه وأنشد مظهرا لفضله:
تمتع من شميم عرار نجد ... فما بعد العشية من عرار
فلما سمعه خمد نشاطه وتبدل بالانقباض انبساطه ونحن ما بين مغضب ومغض بعضنا إلى بعض وكأنه نطق بما هو كاين في الغيب فأنه ما عاد بعدها إلى الديار المصرية حتى انتقل من دار الغفران إلى غرفاتها العلية.
قالومن جملة نسج المعلمين في القول ما حكاه لنا شيخنا أو محمد ابن الخشاب بالعراق قال: ولت إلى تبريز وقد أحضرني رئيسا في داره وقد احتفل في مرابعه بمباره وأجلس ولده بين يدي ليقرأ بعض ما تلقنه علي فقابلت إحسانه بإحساني وقرظت ذلاقة لسانه بلساني وقلت فرخ البط سابح فقال معلمه زكان حاضرا نعم وجرو الكلب نابح فخجلت من خطأ خطابه ومقصوده أن يذكر قرينه ولا يبالي بعينه قريرة أم سخية ودأب آداب أولاد الملوك والرؤساء لاجترائهم على أعزة أولادهم الإجتراء على الآباء وإنما يصلح لمجالسة الملوك من يحتفظ في كلامه ويتيقظ حتى في منامه ويوافق محة مرامه ويلازم مهابه مقامة ويجري في عقود النقود وخصوص الفصول على نظامه وختامه.