قال: فوصل الخبر بوفاة قطب الدين مودود بن زنكي بالموصل فأشفق من أمرها المهمل أن الخادم المنعوت بفخر الدين عبد المسيح قد تعرض للحكم وأقام أحد أولاده وهو سيف غازي مقام أبيه ليتحكم في الموصل وفيه فقال نور الدين أنا ولي بالبلاد والشفقة على الأولاد وسار حتى عبر الفرات عند قلعة جعبر واستصحب العسكر واد لج ليلاً وسار وأسرى وأصبح على الرقة وفيها أمير يسمى كردك فتمنع فأخذ منه البلد عنوة بالسلم شبيهه وأطاعه لما عجز ولم يلق كريهة. قال ودخلت سنة ست وستين: يوم نزلنا على الرقة ونور الدين ساطع النور جامع الأمور مصمم العزم آخذ بالحزم جار من عدله وإحسانه على الرسم قال: واستدعاني نور الدين ونحن بظاهر الرقة وقال: قد أنست بك وأمنت إليك وأنا غير مختار للفرقة لكن المهم الذي عرض لا يبلغ فيه غيرك الغرض فتمضي إلى الديوان العزيز جريدة وتؤدي عني رسالة سديدة سعيدة وتنهي أني قصدت بيتي وبيت والدي ومعي طريقي وتالدي فأمضي وخذ لي أذناً في ذلك. وأمر ناصر الدين محمد بن شيركوه أن يسير بي إلى الرحبة في رجال مأموني الصحبة وسرت منها على البرية غربي الفرات بخفير من بنى خفاجة وعبرت على هيت ثم عرسنا بالأنبار ورحلنا منها وجزنا على نهر شيلا وعقرقوف فلما وصلنا إلى قرب بغداد سيرت غلامي إبراهيم ليخبر الديوان العزيز بالوصول وانتظرت ما جرت به العادة في تلقي الرسول فجاءوا وعبروا بي إلى الديوان العزيز وخصوني باسباب (١١٧٢) التمييز واجتمعت بالوزير شرف الدين بن البلدي وكانت بيني وبينه صداقة صادقة في أيام الوزير ابن هبيرة فإنه كان نايبه بواسط وأنا مشرفة ثم انتقل هو إلى الديوان الشريف بها ناظراً ونبت عن الوزير فمن هناك تأكدت الصداقة فما صدق كيف رآني وبحبه وحباته حباني وقرظني عند امير المؤمنين وقال له بمثله لا نسمح بل يكرم ويخدم ويشرف ويمنح فاحتبسني عنده شهرين يعدني من الأمام بأجل منصبين من الإنشاء والنيابة وشفع سؤلى في حق مخدومي بالإجابة والإصابة فقلت له إذا قضيت حق الرسالة عدت إلى عدتك في الحيلة والحالة فلما مرض المستنجد بالله ورأيت مبادئ وهنه تتجدد على مر الجديدين استأذنه في العود فأذن وسير معي في الرسالة الفقيه مجد الدين اليزدى المدرس الحنفي وذلك في العشر الأخير من شهر ربيع الأول فسلكنا الشهباء على النهج الأسهل وجينا إلى سنجار ونور الدين على حصارها وهدم أسوارها ولما فتح البلد دخله وملك من ذخره منتخبه ومنتحله ثم سلم البلد إلى ابن أخيه عماد الدين زنكي بن مودود ولم يزل فيه لكونه خصه مخصوصاً بكل مقصود ومطلوب ثم رحل نحو الموصل وقصد بلد واستوضح منها الجد ونزل هناك في دجلة على مخاضته فاستسهل من خوضها العبور فيها ما ظن متصعباً. وجاء دليل تركماني قدامنا وهو يقطع دجلة تارة طولاً وتارة عرضا أمامنا ونحن وراءه كخيط واحد حتى عبرنا إلى الجانب الشرقي برجالنا وأثقالنا وأقمنا بقية ذلك اليوم حتى تم عبور القوم ثم رحلنا فنزلنا على الموصل من شرقها وخيمنا على تل توبة فاستعظم أهلها تلك النوبة فما خطر ببالهم أننا نغير بغير مراكب وأنا نأخذ عليهم ذلك الجانب فعرفوا أنهم محصورون مقهورون وانقطعت عنهم السبل من الشرق، وتعذر عليهم الرقع لاتساع الخرق، وبسط العطاء وكشف الغطاء وتكلما في المصلبحة والمصالحة الوسطاء ومد الجسر وقضى الأمر وأنعم نور الدين على أولاد أخيه ومثلوا بناديه وأقر سيف الدين غازي على قاعدة أبيه والبسه التشريف الذي وصل من أمير المؤمنين المستضيء وأعاده إلى البلد ثم دخل قلعة الموصل من باب السرو وأقام بها سبعة عشر يوماً وحدد مناشير أهل المناصب وتوقيعات ذوي المراتب فأمضى قضاء القاضي حجة الدين بن نجم الدين الشهروزر على قاعدته ونظر في أحوال الموصل بمعاملاتها ووجوه أموالها جباتها فألفى معظمها محظوراً محذوراً فتقدم بإسقاطها وإطلاق قناطها وأمرني فكتبت بذلك منشوراً.