وقال: وحررت في المعنى مكاتبة إلى الصاحب مجد الدين استاذ الدار العزيز في منتصف شهر رمضان سنة سبع وسبعين. ومنها أصدر مملوك الدار العزيز ثبت الله قواعد مجدها وشد بعرى النر معاقد سعدها مطالعةه التي أعرب فيها عن صاحب الموصل فغنه طمع في جانب وطمع إليها ومد يد التعدي بالاحتواء عليها ونكث الإيمان المبرمة ونقضها وترك المراقبة التي فؤضها الله ورفضها وأن حلب وأعمالها داخلة في ولايتنا التي يشهد بها شريف المثال وينطق بحقه المنشور العالي الموقع له من به العظمة والجلال. ومنها ورسوله إلى الفرنج يستجديهم في شغلنا ويغريهم ويبذل لهم الرغايب ويضربهم وقد راسل الحشيشية والمراد من الرسالة غير خاف والعلم بالمعتاد منها غير كاف وما تهيأ للمذكور الوصول إلى حلب إلا بسبب غيبة ابن أخينا في أقصى بلاد الفرنج في أول بريةتيما وهي دهليز على ساكنيها أفضل السلام وأغنم كون البرية معشبة في هذا العام قففا ابن أخينا أثره ومنع الكافر المخذول وصد قصده ولم يعلم بوفاة ابن نور الدين رحمه الله إلا بعد عودته ومن العجب أن نحامي عن قبر النبي صلوات الله عليه مشتغلين بمهمة والمذكور ينازع في ولاية هي لنا ليأخذها بيد ظلمه وكم بين من يحارب الكفر ويحمل إليهم قواصم الآجال وبين من يتخذهم بطانة دون المؤمنين وتحمل إليهم كرايم الأموال وبين بعيد من دار الخلافة المعظمة يفترض الطاعة (٢٠٤أ) ويستفرغ في مراضيها الاستطاعة، وبين آخر يدعى أنه أقرب جيرانها ولا يمت بل لا يموت إلا عصيانها وكل يعمل على شاكلة أصحابه فهو يمرى بيد المرير أخلاف أخلافه ونحن لا ندين إلا بطاعة الإمام ولا نرى ذلك إلا من أركان الإسلام هذا مع ما نعد من سوابق في الملة الحنيفية والدولة الهادية العباسية لا يعد مثلها أولا لأبي مسلم لأنه أقدم ثم عام وأمال ثم آلام ولا أحرا لطغر لبك فإنه نصر ونصب ثم حجر وحجب وقد عرف ما فضلنا الله به عليهما في نصر الدولة وتطهير المنابر وحسن الأدعياء وأطلاع أنوار السمات الشريفة كاشفة لظلمة تلك الأسماء وإنارة صباح الهدى بعد امتداد رواق الضلالة والمدلهمة الظلما ولم يفعل ما فعل لأجل الدنيا فاجزا منه بالحسنى طولع في الأخرى غير أن التحدث بنعم الله واجب والنجح بالخدة الشريفة والإفتخار بالتوفيق فيها على سجيته غالب ولا غنى عن بروز الأوامر الشريفة إلى المذكور بأن يلزم حده ولا يتجاوز حقه فلا ولا بذله من خليقة يقترن بها المضاد ولا وراثة له في أرض الله فإن الأرض لله يورثها من يشاء، فإن أطاع وأناب ورجع عن الخطأ وعاود الصواب وألا فما صنا إلا أن نقاتله وهو لأمر الخلافة المعظمة مخالف ونحن طايعون والمشار إليه متصامم ونحن سامعون.
ومنها فأن جنى جان على الدولة العباسية بالنيابة عنه في ذلك لا يقرب عن دخل معتقده وتنكب نهج الحق وجوده فالأولى تقليد المذكور جميع الولاية فأن دخول الأيدي المختلفة من الأعداء شاغل ويحتاج إلى مغرم ينفق فيه العمر بغير طايل وبقاؤنا في هذه الدار القليل اللبث القصير المكث يؤثر أن نغتنمه في الخدمة الشريفة النبوية والطاعة الإمامية في مجاهدة العدو الكافر الذي صار له البيت المقدس محلا للارجاس ومضت عليه دهور وملوك لم يحصلوا من رجائهم تطهيره إلا على اليأس. هذا وما بنا بحمد الله قصور عن أن نصده عن قصده ونريده ثوب العجز برده ونكيل له بضاعة ونعثره في عثير إسراعه وقد طالع الديوان العزيز بطيه مستشفعا ولشرح قصته مستوفيا ولعذره في جميع الأحوال مبليا ولا غنى من نظره السامي ليكون للأحوال متوليا ولراية الحق معليا لا زال لذخاير الحمد مقتنيا ولقواعد المجد مينا ورأيه أسمى.
قال رحمه الله: وفي هذه السنة سنة سبع توجه الإبرنس بالكرك إلى تيما وتقرب من المدينة النبوية على سكانها السلام فشد عز الدين فرخشاه واستعد ووجد التوفيق الإلهي وجد وتوغل في البرية وما زال على مقابلة الإبرنس حتى نكص ذلك اللعين على أعقابه وأذله عز الدين بحق باسه فبطل ما كان في رأسه.
وقد جرى ذكر ذلك في الكتاب الذي أنشئ إلى الديوان العزيز وأعرب عنه باللفظ الوجيز. قال وفي هذه السنة توجه السلطان إلى ثغر الإسكندرية وخيمنا عند السوارى وشاهدنا بسنا قدومه أشعة زند الإقبال الداري وشاهد الأسوار التي جددها وأمر بالإتمام والاهتمام بالأحكام.