قال: كان السلطان على بعلبك نازلا ولتسلمها محاولا وطال مقامه عليها فانتهز الفرنج فرصة الخلو واستخلوا عصر العتو وجاءت الداوية منهم وشرعوا في بناء حصن على مخاضة بيت الأحزان واحكموا بناء ذلك المكان وكان يقول للسلطان متى احكم هذا الحصن تحكم على الثغر الإسلامي الوهن وغلق الرهن فان بينه وبين دمشق مسافة يوم فيقول إذا أتموه رحلنا وهدمناه إلى الأساس وجعلناه من الرسوم الادراس فندعهم الآن حتى يستنفذوا بقية أحوالهم وينفقوا عليه أموالهم ويتعبوا (١٩٦ب) رجالهم فإذا قصدناه عكست آمالهم والحينا نالهم فنقول منعهم من الابتداء أسهل من الدفع في الانتهاء. وإذا فات الفارط لا يستدرك وهو الآن هين فلا يترك وهو صابر بقوة دينه، ساكن بنور يقينه فان العاقبة الحميدة بعد سنة كانت كما جرت على لفظة من عدة حسنة. فلما انفصل أمر بعلبك لم يزل أمر الحصن من همه وقصد حصاره في عزمه وكان العام مجدبا والجدب عاما والشام لروايح الحوايج شاما وللأسعار أسعارا وللأسرار استشعار وللضر استضراء وللشر استشراء، وعلى العباد من ثقل المحل أعباء وللرجال من لطف الله تعالى رجاء على اليادي السلطانية نابت عن الأنواء ونادت في الأندية بالانداء فرتعنا من إحسانه في مرعى مريع وشرعنا في سلطانه من منبع منيع.
[ذكر وصول رسول دار الخلافة]
قال: ووصل في هذه السنة رسول دار الخلافة بالعارفة والعاطفة والرافة، وهو الاجل فاضل أفضل الخدم، وهو خاص الجهة الشريفة مخصوص بالمنزلة المنيفة، وسر السلطان بوصوله وحل كل بجح بحلوله وببركات ذلك رخصت الأسعار ونقص الإعسار وتفرجت العيون وتفجرت العيون وسكن القرار، وقر السكون.
كان الرسول كريما أكنه في سواده إنسان عين كله نور وبالحسن والحسنى مشهور وزرته فالفته طلق الوجه بشرا واليد برا فلما خرجت من عنده سير لي من هداياه وألطافه وتحفه وفرا، ولم يدع أحدا من أكابر الدولة إلا وحباه بحباته، وحياة من حيا سحبه وكانت الجهة الأمامية مالكة قد ملأت يده بمال وافر ليصل ويعود بوجه سافر فما رأيت رسولا وجه في وجاهته ونباهته وهمته ونزاهته وشغف السلطان به وكلف بقربهوا ستصحبه معه إلى الغزاة وشن الغارة على العاة ووقف به على الحصن الذي استجده الفرنج على المشهد اليعقوبي وكان السلطان بهذا الرسول الأمامي مغتبطا واليه في كشف أسراره منبسطا ولما جهزه ليعود بالعطايا السنايا والخيل السبايا فرقها قبل قفوله ومن جملة ما حمل له بغله شهباء موصوفة لا يوجد لها نظير كأنها السرج هضبة من ثبير.
وكان رسولنا ضياء الدين بن الشهرزوري عنده حاضرا. وقال كنت على عزم طلب هذه البغلة من السلطان وقد فرحت لك منه بهذا الإحسان فقال: أنت أولى بها وبما معها. فأخذتها منه بما تبعها وفيها حصان عربي منسوب وحجرة ما لها قيمة وكان إذا أهدى له باقة ريحان حزاها بخلع حسان، وانفصل منتصف ذي القعدة بالإكرام موصولا وبالإعظام مشمولا.
[ذكر نوبة هنفرى ومقتله في أواخر هذه السنة]
قال: وكانت الأخبار قد توالت على الأسنة جواسيس الفرنج أنهم على عزم الخروج فتقدم السلطان إلى ابن أخيه عز الدين فرخشاه بن شاهنشاه وقد قدمه على عساكر دمشق أن يخرج على الثغر في عسكره ويرتب كلا في مركزه محترزا في مورده ومصدره. وأقام مدة واستكمل عدة فلما كان مستهل ذي القعدة من هذه السنة تواترت الأخبار بخروجهم على الألسنة فجرى من النصر الذي لم يحتسب والنجح الذي إلا بعون الله لم يكتسب ما وصفته في كتاب إنشاته عن السلطان إلى الأجل الفاضل ومنه: قد سبقت المكاتبة بما سناه الله وأسناه من النصرة الحلوة وذلك يوم الأربعاء مستهل ذي القعدة فانه فضل بنصرة خميس الإسلام على كل خميس وضيق على الأسود السود من بني الأصفر كل عريس وخيس، وأثمر من ورق الحديد الأخضر في مربع الموت الأحمر منهم براس كل رئيس. وكان الإرجاف قد شاع بخروجهم منذ أيام والظنون مرتابة والقلوب مرتاعة، والفكر غير حاضر لان السنة جدب ومجاعة وليس في مقابلة الفرنج في ذلك الثغر إلا ولدنا عز الدين وهو في عدة من عسكرنا المنصور لا تبلغ ألفا وهو معرض بإرسال