قال: كان قومص طرابلس ريمند بن بيمند الصنجلي تزوج بالقومصية صاحبة طبرية وجعل بها لأجلها سكناه وقصر على تملك الفرنج مناه فان الملك المجذوم لما هلك اصى لابن أخته وهو الذي بعده ملك ولأجل صغره كفله القومص وهو على تربيته يحرص وبثوب الاستبداد يقمص وهو بالقوة والرأي مسلسل ويزعم انه بالأمر مستقل فهلك الصغير وبطل عليه التدبير فان الملك انقل إلى أمه وبطل ما كان في زعم القومص وزعمه فوقعت عينها على أحد المقدمين العرب فاستخلصته للقرب وأنكحته نفسها وبدت لسهمه قوسها ومكنته من مزرعتها لسقيها وحرثها وأدنته من خلوتها لإدناء خلخالها من رعاتها وقالت: أن الفرنج ذكورها أقوم بالملك من إناثها ثم جمعت المقدمين والبارونية والاسبتار والداوية وقالت: هذا زوجي قد نقلت إليه ملكي وعقدت به مسلكي فوضعوا على رأسه التاج فزجر بحره وعب وماج فسقط القومص في يده وخرج من جلد جلده وعمى عليه واضح جدده وطولب بحساب ما تولاه فنفر منه وأباه وناداه الملك وما لباه وادعى أن ذلك الفقه في الملك الصغير والذي رباه ثم حل حباه وسل ظباه واختزل واعتزل ومن ذورة العتو ما نزل ولاذ بسلطاننا وأنفذ رسله ببذل الاستطاعة في الطاعة والجري على حكم التباعة وأنه وإن دعى أجاب وإن رعى أهاب فأعجب السلطان قوله وقالوا ربما كان هذا ختلاً وختراً وخداعاً ومكراً فقال: أليس قد وقع بين الكفر اليأس وحمل لهم من إصلاحه البأس فيجري به مجرى المؤلفة القلوب وكان الأمر على ما تفرسه والعقبى الحميدة على ما جد منه فان ذلك كان من أسباب وهن الكفر ومنزل نص النصر، وكان في الأسر خيالة من أًحاب القومص قد قررت عليهم قطايع ثقيلة فأجاب سؤاله في المن والإطلاق وأخرجهم إلى عز السراح من ذل الاسترقاق حتى كاد القومص لولا خوف أهل ملته يسلم وصار بدولة السلطان وملكه يقيم ومال إليه من الفرنج جماعة وظهرت له منهم للطاغية وأمن الثغر وسكن الدهر ودخلت جانبهم إلى بلادهم السبايا وخرجت الغنائم والسنايا وللقومص قوم صدق يساعدونه في كل باطل وحق فغل بهم أهل الساحل وبلوا منه بالشغل الشاغل.
[(٢٣٠أ) ذكر غدر ابرنس الكرك]
قال: كان هذا الابرنس أرناط أغدر الفرنجية وأخبثها وأفحصها عن الردى وأبحثها وأنقضها للمواثيق المحكمة وأنكثها وهو على طريق الحجاز ومن نهج الحاج على المجاز. وكنا في كل سنة نغزوه وبالبوايق نعزوه وقد ألجأنا إلى مضايق المضايقة والإضاقة فأظهر أنه في الهدنة والهدوء شديد الفاقة فتعرض للتضرع وجنح للسلم وأخذ الأمان لبلده وأهله وبقى الأمن شاملاً والقفل من مصر في طريق بلده متواصلاً وهو يمكس الجاي والذاهب ويحيى من الضروب والضرايب وينكب النواكب حتى لاحت له فرصة في الغدر فانتهزها وقطع الطريق وأخاف السبيل ووقع على قافلة ثقيلة ونعمة جليلة فاجتاحها واستباحها وكان معها من الأجناد فأوقعهم في الشرك وحملهم ال الكرك فأرسلنا إليه وذممنا فعاله وقبحنا احتياله فأبى إلا الإضرار والإصرار وأضرم الشرار وأضرى الشرار فنذر السلطان دمه فأظفره الله به يوم حطين فقدمه ووفى في إراقة دمه بما التزمه. وأقام السلطان بقية سنة اثنتين وثمانين بدمشق وقد شغل الفرنج بعضهم ببعض وعسكر الجهاد في العرض ونحن بين عداد الأعداد واستمداد الإمداد في إقامة سنة وأداء الفرض.
قال الفتح بن علي الأصفهاني مختصر الكتاب: قد أورد الصدر السعيد عماد الدين رحمه الله ههنا رسايل لفضلاء العصر مبينة على حروف معينة أكثرها وإن اشتملت على الألفاظ البارعة والمعاني البديعة لا تخلو من نكلف تمجه الأسماع وتعسف تنبو عنه الطباع فتركناها وأضربنا عن ذكرها صفحاً وطوينا دون وصفها كشحاً وساكنا طريق الاختصار وأعزناها جانب الازورار واختصرنا على إيراد هذه ابتداءات الفاضلية بين كتبه الجليلة الجلية فمنها: