قال: وكان الملك المظفر تقي الدين بي أخي السلطان صاحب حماه ومالكها، وقد تولى بالأمن والعدل مسالكها وممالكها فوشع ذراه ووسع قراه وحبر يديه رحب نداه وحصن الحصن الذي في حماه وحماه، وقصر نظرنا على قصره الناظر الذي اعتنى به وابتناه وما أبهج وأبهى بهوه وبهاه وأعظم إيوانه وأكرم أيواه فتفرقنا بعد الاجتماع وجذبنا زمام الإزماع واستنى العسكر سنن الرستن فعبرنا العاصي في طاعة الله لقصد الغزاة وجرد تحت المرد والكمد تحت الكماه، ومالت بنا أعناق الأعناق، وقصدنا إلى حمص أشواط الأشواق، وخيمن على عاصيها وضاقت بجمو عنا أدانيها وأقاصيها وجئنا إلى الزراعة ثم اللبوة ووصلنا إلى بعلبك حتى قربنا من دمشق ودخلنا إليها وهي ببشرنا مستبشرة وعن صباح سفورنا مسفرة ولم يطل بها المقام وعجلنا الرحلة عنها، واغتنمنا حضور العساكر المتضاعفة العدد المتظاهرة العدد فخرجنا نحو العدو متوجهين (٢١٥ أ) وفي رياض مراسه الله متنزهين فأول ما وقع البأس ببيسان وجاء الفرنج فرابطهم السلطان على عين الجالوت وواقع بأعداء الله أولياء الطاغوت وقد صفت غزوة بيسان.
وفي كتاب أنشأته عن السلطان وهو: وأقرب غزواتنا عهداً بالفرنج غزوة بيسان في كتاب أنشأته كان من حديثها المبهج أنا سرنا بعساكرنا الموفورة وقطعنا الأردن وعبرنا مخاضة الحسينية بخلوص الضمير في سبيل الله وحسن النية وذلك يوم الخميس تاسع جمادى الأخر فلما وصلنا إلى بيسان وجدنا بأسنا قد أخلاها أهلها فعاجلها الأصحاب بما أحل لأهلها الكفار من النيران وعقدوا تحت سماء العجاج منها سماء الدخان فما برحنا حتى عفونا أثارها ونهب العسكر فيها من زاد وقوت ما زاد به قوة وكانت هذه المقدمة نصرة مرجوة ألحقنا بها مدنا معمورة وقلاعاً حصينة وأضرمناها نارا ولم نذر بها من الكافرين دياراً ووقعت مقدمة العساكر المنصورة في أول يوم على خيل ورجل للفرنج عابرين من نابلس فأوقعت بهم وسدت عليهم طريق مهربهم وقتلت راجلهم وأسرت جماعة من الفرسان قيدوا في الأقياد وتوغل الباقون في الجبال بحزازات القلوب وحرارات الأكباد، وكان مقدمهم ابن هنفرى ففر ووصل الخبر بأن الفرنج وأتوا بجمعهم المحشود وحشدهم المجموع وكانوا في ألف وخمسمائة رمح ومثله تركبلى وخمسة عشر ألف راجل وزحفوا كأنهم أسود الشرى في آجامها وهضاب شروري بأعلامها فبعثنا إليهم الجاليشية فجالت أمامها وجاشت قدامها وعينا الأطلاب للموت طلاباً وللنصر بلسان الفصل خطابا وكثر الله المؤمنين في أعين الكافرين فعادوا بعد الأنس نافرين ولما رأوا بأسنا أخلدوا الى الأرض مهطعيين وخندقوا حولهم وأسندوا الى الجبل بالذل لابدين واركزوا قنطارياتهم في مركز دايرة الخذلان وطلبوا ربح سلامتهم من الخسران وأقاموا كذلك خمسة أيام أخرها الأربعاء خامس عشر جمادى الآخرة ونحن في كل يوم نتوقع منهم الحملة التي هي عادتهم والمبادرة في اللقاء التي هي في الصدمة الأولى سورتهم فنكبوا عن اللقاء وما هاجروا الى الهيجاء وعساكرنا المنصورة حولهم حايمة في بحار السوابع في بلاد الساحل دونهم عايمة ويعادونهم مساء وصباحا والفرنج قد يبست أيديهم على الأعنة وغلت في صدورهم وحراب الرعب على صدور الألسنة والمغيرون في بلادهم يشنون الغوار ويكثرون القتل والأسار فلما رأيناهم لا يبرحون رحلنا عنهم يوم الخميس لخناقهم منفسين فما صدقوا حتى جفلوا أجفال النعام وتوغلوا في الجبال وهم أضل من الأنعام، وتصاعدوا في العقاب ونكصوا على الأعقاب، ونحن قد بلغنا النكاية فيهم غايتها والغنايم، والأساري قد ملأت الأيدي وثقلت الظهور، وعجل الله للأسلام وعسكره النصر والظهور، وعدنا سالمي سالبين غانمين غالبين "والحمد لله رب العالمين" وقد شرعنا الآن في غزوة ثانية لعزب الكفر ثانية والمسير بالعسكر الذي عدنا به إلى الكرك والالتقاء بالعسكر الواصل من مصر عليها فإن الفرنج قد بان لنا هوانها وهذا وقت منيتها وأوانها فما نزال بتأييد الله نوالي الغزوات حتى يأذن الله في فتح الأرض المقدسة والسلام.
ذكر العودة إلى الكرك واستدعاء الملك العادل من مصر لتولى حلب واستنابة الملك المظفر تقي (الدين في مصر وشرح أسباب في ذلك) .