قال: كان عند نزولنا على الموصل وصلت رسل شاه أرمن فيها شافعين ولأسباب الحروب رافعين ثم استتب الرحيل عنها إضهارا لقبول الشفاعة الأمامية وإعلانا بسر الطاعة الناصرية. ونزلنا على سنجار ووصل سيف الدين بكتمر وهو أعز أصحاب شاه أرمن وبذل السلطان في الشفاعة في سنجار كل ما أمكن فاشترطنا شرايط ما قبلها فنفر سيف الدين وسار مغيظا وأبدى خلقا خشنا، وقال قولا غليظا، ولم يقبل خلعه ولا نفقه ومضى إلى صاحبه ونحاه ونقله عما توقاه إلى ما توخاه، وشاه أرمن ظهير الدين سكمان هو خال صاحب ماردين قطب الدين الكازي بن ألبي بن تمر تاش وهذا ابن خال صاحب الموصل عز الدين مسعود بن مودود بن زنكا وكتب إليه واستدعاه وخرج واجتمع به وأتاه الياروقية وغيرهم من عسكر حلب ونزلوا من ماردين إلى ضيعة يقال لها حرزم وموج قصدهم يرزم. وجاءنا خبرهم فلم يندبه إكتراثا ولم يظهر لصحته التياثة، وكتبنا إلى أمرائنا الغائبين فبادر الملك المظفر تقي الدين من حماه إلى حران في خمسة أيام ووافانا بجد اهتمام وصدق اعتزام وقال: قوموا بنا إلى القوم فلا تعودوا بعد اليوم فقلنا أنهم في كثرة ولا بأس بالإحتراس من عثر وهو العشر المبارك من ذي الحجة والنصر مع الصبر واضح المحجة (٢١١ب) فأبا إلا الرحيل موافقة لرأي السلطان ومتابعة لأمره ومشايعة لسرور سره. وأقمنا حتى صلينا العيد، واستقبلنا الطالع السعيد، وقدمنا الإزماع وأجلنا الاتساع وسرنا بالأسود في غارها، والبروق في سحابها وقدمنا من الرعب جيشا وأبدينا من الحلم طيشا وعلونا الجدد لعزا يم صحيحة غير عليلة، وتلونا كم من فئة قليلة ونزلنا برأس عين فطار الخبر إلى القوم فطاروا شعاعا وتفرقوا ولم تدر لما در من شموسهم شعاعا وذلك يوم عرفة فتركوا الوقوف، وعزموا العزوف ونفروا قبل يوم النفر، ونحروا أضاحي جلدهم قبل النحر وعاد الخلاط إلى خلاط باختلاطه، ورجع الموصلي إلى الموصل بمواصلة احتياطه، واعتصم المارد يني بحصنه المارد وهتكوا حزر حزرم الصادر والوارد وهاب عسكر حلب العودة إليها ونحن على طريقه فأذن جمعه بتفريقه، ومضى معظمهم إلى الموصل فعبر الفرات عند عانة ولم يجدها إعانة الإعانة ونسفتهم ريحنا وهم جبال وذهبوا بقلوب النساء وجاءوا وهم رجال ووصل إلينا خبرهم ونحن للقصد سايرون ولجناح النجاح مطا يرون وأكملنا المسير وقلنا هذا أخلى المشاه وقعته ببيارقه وأفراسه ورخاخه وخاف وقوعه في الشرك قبل نصب فخاخه، واستصرخ صاحب الموصل به فلم يظفر باصراخه ولم يصغ إلى نصائح أشياخه فإن مجاهد الدين قايماز مايزال يشير بالثبات ويحذره مخاوف الزلات ومواقف العثرات، وعرف بنور فراسته عاقبه الحال ومغبة الاستعجال. ولما نزلنا في منزلة القوم لم نسمع لهم خبرا ولم نعاين لهم أثرا، وهناك بحزرم لصاحب ماردين قصر مشيد على حسنه مزيد وقد زوقه وصوره وحاله جنة (تجري من تحتها الأنهار) ويترنم من فوقها الأطيار وتترنح منه حولها الأشجار فأبقينا بأسه الأثير الأثيل وأشفقنا بنيته الكثيف الأثيب، وعصمنا عمارته من التشعيث، وأقام فيه تاج الملوك أخو السلطان برسم التنزه بحفظه عين التنبه.
ذكر المسير إلى آمد وفتحها وكان النزول عليها يوم الأربعاء سابع عشر ذي الحجة وفتحها يوم الأحد
قال: ولما أحمدنا المقاصد وقصدنا المحامد واغتنمنا أمد القرب من آمد وقلنا ننجز لنور الدين المواعد، وكنا لما رجعنا من الموصل كتبنا نطلب الأذن من قصد آمد بتقليد أمامي نجعله أمامنا ونتخذه أمامنا فوصل التقليد بملكها والأذن بفتحها فقوي العزم وتحقق بالصدق القصد الجزم وما زالت قلوب أهلها صادرة إلى وردنا، وألسنتهم صادحة بحمدنا فتصدينا لها لنعتقها من الرق النيساني، ونوثقها بالحق السلطاني وأعدنا إلى الشام من أكابر أمرائنا من يسد الثغور ويسدد الأمور، وتوجهنا في أيام التشريق وتأييد الله معنا في الطريق وجزنا على قلعة البارعية فتلقانا بالبر البار الرعية وما اعترضنا بلدا، ولا عارضنا أحدا ونزلنا على آمد فنصبت المنجنيقات، وكان معنا منجنيق يقال له المفتش لأن حجره يدور في الزوايا بدواير المنايا ويشوش وشرعنا في أدوات الحصر وحصر أدواته واشتعل الجمع وأشتعل الجمر، ووقع الحجر على البلد الحجر.