قال: واتفق نزول الفرنج بعد وفاة نور الدين على الثغر وقصدهم بانياس ورجوا أن يتم لهم الأمر ثم ظهرت خيبتهم وبان الياس وذلك أن شمس الدين بن المقدم خرج وراسل الفرنج وخوفهم بقصد صلاح الدين (١٦٨ب) بلادهم وانه قد عزم جهادهم وتوصلوا وتكلموا في الهدنة وقطع مواد الحرب والفتنة وحصلوا بقطيعة استعجلوها عدة من أساري الفرنج استطلقوها وتمت المصالحة وعقدت المصافحة.
قال: أنشأت في ذلك كتاباً إلى صلاح الدين بما تم من المصالحة في ثالث ذي الحجة في الاعتذار عن ترك أعلامه بالحال ومنه. اتفق عند الصدمة الأولى من الحادثة الكارثة نزول الفرنج على بانياس في أعداد من الخيل والرجل خارجة عن حد القياس على حين غفلة من أهلها وقلة من ذخيرتها وخيموا على حزنها وسهلها ولم يسع الوقت لمكاتبة المجلس العالي ثانية وظننت أن الأولى كافية ولأعنة عزايمة إلى نجدتنا ثانية فأخبار الكفار ليست بخافيه.
كتاب بالإنشاء الفاضلي عن الملك الناصر تعزية للملك الصالح بوفاة والده رحمه الله أوله
"لقد كان لكم في رسولي الله أسوة حسنة" انزل الله الصبر وضاعف التأييد والنصر بالجناب العالي الملكي الصالحي وبيته في محل الامتحان والاختيار وبصره بحجة التذكر والاستبصار وأخلصه بخالصة ذكرى الدار والهمة تدرس قوله (إنما هذه الدنيا متاع وان الآخرة هي دار القرار وهنأه بالمملكة التي اقتعد ذروتها وعلا محلها واحتلي عقيلتها وكان كفوها وبعلها وأورثه سريره وسريرته وكان أحق بها وأهلها أن تعاطي الخادم الإبانة عما دهمه من ألم الفجيعة الفظيعة والمصيبة التي رمت القلوب بالسهام المصيبة احتاج إلى خاطر حاضر وبنان جار وبيان محار وهيهات فالقلوب بأسرها في أسرها والعقول بجمعها معقولة من سمعها والصدور بالهموم مملوءة والوجوه بالوجوم ممنوه ليوم سرت الحادثة فيه مسرى الزلزال هز أعطاف كل بلد وطلع مطلع الكسوف بذ الأنوار عن كل عين ويد واستولى الخلق فيه فمن المعزى واعتدى الحق فيه بين الحزن المجتمع والشمل المجزي ياله ناعياً فجع الإسلام باسكندره فتوحاً وجنوداً وبحضرة ذكر مثله في الطيب وخلوداً (أنا لله وإنا إليه راجعون) قول من عز عزاؤه وصدع قوله وتفرقت أجزاؤه وصبر مغلوباً ويرجو أن يكون على الله جزاؤه، ولو وقى من الحمام واق أو أخر أحد من العمر فوق المقسوم قدر فواق لوفي تلك الروح الكريمة ذلك الفعل الكريم، وتلك اليد التي ما أظلم الخطب البهيم إلا طلعت بيد كيد الكريم ولكنه القدر الذي يتجرأ على الجازع والصابر والمشرع الذي يؤلف بين الوارد والصادر والقضاء الذي يسوق الخلق إلى الصعيد الواحد والمواعد الذي لا يجزي فيه والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والد حتى يرث الله الأرض ومن عليها ويعيد الخلق منها إليها، وإذا ودعنا الدارج رضوان الله عليه بلا حول ولا قوة إلا بالله فانا نستقبل القايم بالحمد لله شكراً على بقاء من وهب وصبراً عن لقاء من ذهب، فان قضى أجل فقد قضى أمل، وان صدع القلوب وجل فقد جبرها جذل، وان خر جبل فقد علا والحمد لله جبل، وان ثلم جانب من المجد فقد سلم جانب، وان أفل طالع من سماء المجد فقد طلعغارب، وان فارقنا العز فقد وهن منه العظم فقد استأنفناه عقد قد راق منه النظم، وان استقل سرير الفنا بمودعه راحلاً فقد استقبل بمودعه نازلاً لا جرم انه سد ثلم الرزية واطلع التهنية آخذه باعناق التعزية يلتقي اللفظان فيصطرعان ويحل الضدان في القلب وعجباً لهما في محل واحد كيف يجتمعان حتى إذا تؤمل ثواب الله الذي قدم عليه القادم وسلطان الله الذي قدم إليه القايم زادت السلوة ورجحت واحتجبت الأيام به ونجحت وكادت العيون تسترجع ماءها الذي سمخت والقلوب تنسخ آية السلو التي قال قايل إلا إنها نسخت وهذه الخدمة نايبة عنه في العزاء بهذه النيابة وفي الهناء بالموهبة الثانية وللدولة من الخادم يدان فان انقبضت فعلى قايم سيف نصرها وان انبسطت فبالعطاء الذي به قيام أمرها، وعينان عين تكلؤها على البعاد وعين لولا استزادة طيف مفقودها ما صافحت يد الرقاد.