قال: قد مضى ذكر الأمير مظفر الدين كوكبوري زين الدين على كوجك في سنة ثمان وسبعين عند توجه السلطان إلى الموصل ووصوله إلى الخدمة وحلوله محل المشاركة في الدولة والنعمة ولم يفارق الخدمة على الموصل وسنجار وكان معنا على آمد عند افتتاحها واختتم كل خدمة نجاحها وحلب على حلب أفاويق الوفاق وظاهر في الغزوات وظافر على العزمات ولم يزل بأخيه زين الدين يوسف بن علي صاحب اربل يستعطفه ويستجديه ويحسن له الالتجاء إلى الخدمة السلطانية ويرغبه. وصار مظفر الدين لكل من يرغب في الخدمة قدوة ونال بذلك من القرب والزلفى حظوة وعاد من يهتدي به يقتدي وبوسيلته يحتذي وبخطابه يبتدي ولما عدنا من غزوة الكرك في سنة ثمانين وأفام السلطان بدمشق لأداء فرض الصوم وظن أنه يريح ويستريح.
وتواصلت كتب مظفر الدين بالحض والحث وتتابعت رسله على هوى الهواده عادلين وللمعونة بالمئونة باذلين وبذل رسوله الخاص ابن ماهان عن صاحبه ما عز وما هان وقال: أن مظفر الدين إذا عبرتم الفرات يستدرك كل ما فات ويقول بكل ما يحتاج إليه في تلك اليلاد ويقدم يوم الوصول إلى حران خمسين ألف دينار وكتب خطه بما أفصح به من قول وأوضحه من قرار وأرغب الأمراء والحجاب والخواص في البذول فسرنا على ماسبق ذكره على البلاد والإقامة بها بارزة الاستعداد حتى خيمنا على حران بالشرح الذي تقدم وسكت السلطان عن طلب ما كان من البذول وما تكلم فإن شيمته الحياء وسجينته السخاء لكنه لما وجد مظفر الدين غير منبعث لحركة ولا متحرك في مملكته وهو غير مبد للاهتمام ولا مجد بالتزام أرتاب بسكوته وسكونه وتواجهت مختلف ظنونه ووشى الوشاة وسعى السعاة وقيل لولا عمارة الحال بينه وبين المواصلة لبقي على حميته وتحقق بفعله ما تبرع بقوله وسيرني السلطان ومعي شمس الدين بن الفراش قاضي العسكر وقال: احضرا لديه واكشفا عن حالتيه وأخبراه بما أخبر عنه رسوله وبما سبق به بذوله وبما أستأنفه من الإعفاء والأغفال دون الاحتفاء فلما بصر بنا مظفر الدين أنبأته الفراسة بما جئنا فيه وشرع في إثبات ما ينافيه وقام قبل أن يقعد وجاء بمصحف كريم وأقسم به قسم بر على الولاء مقيم. ولما فتح المصحف ووضع عليه يده ليحلف قرأت منه " يا أيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود " فقلت له: