وقال السلطان: نغتنم حياة الشيخ الإمام أبي طاهر بن عوف وهو اسمعيل بن علي بن عوف فحضرنا عنده وسمعنا عليه موطأ مالك بروايته عن الطرطوسي في العشر الأخير من شوال. وتم له ولأولاده ولنا السماع والوالي بالثغر المحروس فخر الدين قراجه وقد ارتفعت بحسن سيرته عن تلك البلاد السماجة. وفزعنا منارة الإسكندرية وقضينا منها عجبا وخرجنا من البلاد ولم نقض على الكمال اربا وعدنا إلى القاهرة في ذي القعدة وشرع البركة بالبركة مضاربة وكتب بحكته إلى الآفاق وتحركت كتايبه فكتب مناشير البلاد وقسم عسكر مصر قسمين فقسم في ثغورنا بحكم الملك العادل وقسم ف الصحبة ووصى بملازمة الثغر الذي هو فيه، وأمر بهاء الدين قراقوش بإتمام السور الداير على مصر والقاهرة، وأمره بمواد ذكر رحيله في آخر السنة إن شاء الله تعالى.
[ذكر آفة ضيافة]
قال رحمه الله: كان الأمير مجد الدين سيف الدولة مبارك بن كامل بن منقذ لشمس الدولة نايبا بزبيد ثم اسقاله وانفصل وناب بزبيد أخوه حطان وكان قد ابتاع من السلطان الناحية المعروفة بالعدوية وعدل أحوالها بالعمارة السوية وهو من أهل (٢٠٤ب) المجد والأبوة والفضل والمروة وكانت بيني وبينه صداقة بصدق العقيدة معقودة ومقاربة بزمام النسب الأدبي والحسب العربي مقودة وربما أقام بالعدوية أياما وه ذات جنان وعيون وأفنان وحدائق فاخرة، وهي على الحقيقة جنة القاهرة فداخلها إليه بها يوما وذلك في أول السنة فمضينا في جمع من الأفاضل منهم شمس الدين ابن الفراش قاضي العسكر، وموفق الدين أبو يعلى حمزة بن الحسن العنزي وجمال الدين الفقيه والشاعر أبو علي الحسين بن رواحه حتى قربنا فقربنا القاضي واستقبلنا وتلقانا فوفى كلا حقه من السلام والترحيب والإكرام وترجلنا ودخلنا دارا دارت له الأقدار بالأقدار ووردنا عذبا عدا لم تطرقه يد الأكدار وأجلسنا في الرواق كالملوك والمماليك في الروق قيام واستيقظ لحظنا ناظر الدهر وصروفه عنا نيام، وما زلنا في جد ومراح حتى طما على نهر النهار من الليل السيل وجر على الآفاق من جلابيب غياهبه الذيل فأزهرت نجوم الشموع في أبراج تلك الأروقة وأشرقت شموسها للشموس المشرقة وما منا إلا من زكت أثمار غرسه وذكت أنوار شمسه ونثرت عقود نظمه وكثرت نقود فهمه حتى تبسم الصباح وسعت ينابيع النور من ساحل لجة الديجور فأصبحنا على ما أمسينا عليه من جوا وار وشعار من العار عار. وقال الأمير الأديب: ما تقولون في نزول النيل فقلنا: لأمرك الأتباع وحكمك المطاع فركبنا عشاريا مخضت بالمحاسن عشاره وأغرب من نجاره العربي نجارة فتوسطناه بالأملاك شموسا والبدور على الصبا تصبى النفوس وشموسه الحجال تحجل الشموس والمركب صاعد ونازل والراكب جاد وهازل، وعندنا ل طيب وطاهر وبهي وباهر وزاه زاهر ثم استوت السفينة وأحوتت عليها السكينة وملنا للخروج وعدنا إلى الجلوس وقلنا: قد أطلنا وأحجرنا وأمللنا وأضجرنا فإن أذنت فحلف أننا لا نقوم بل نقيم وأنه يتكلف بكل ما نروم ولا نريم، فذبح من الغنم قطيعا، وصنع قرى وسيعا، ثم رأينا أننا نتريح بالقيلولة لعزم البيتوتة فقمنا وقلنا ومال بنا الكرى وملنا ولم ندر أن النور غيور والأصل عثور فما شعرنا حتى أيقظنا الإرتياع والإرتياب وتقطعت بالمتواصلين الأباب وأصحاب الأمير تشاوروا وتشوروا فقلنا ما الخبر وهم غشا صفونا الكدر فقالوا هذا الأمير قراقوش قد أحدق ببسيطة هذه الحديقة لقبض الأمير وقد شغلته مسامرة الحادثة عن الحادثة السمير ففرقنا وتفرقنا وركبنا إذ أنكبنا ونتفنا ولا عطف أحد على أحد، ولا أخذت يد بيد حتى عدنا إلى القاهرة متأسين متأسفين ملتهبين ملتحفين، وكل من يلقانا من أصدقائنا يغطبنا بالمداعبة ويقول كنتم على الأمير مبارك مباركين فلم لما أخذ كنتم له تاركين وهلا كنتم في المكروه له مشاركين فنقول: هذا قدر محتوم وسر للغيب مكتوم، وشاع عند سلطاننا سره وأعجبه أمرنا وأمره ونقول ما أسفنا على تلك الحلاوة التي مرت ومرت والطلاوة التي سادت يوما بعدما سرت وأحمدت ووجدت العتبى.