وقال السلطان فاتر العزم في العود إلى الموصل فهاجمه وحرف إليها مزاجه ولو تمسك منه بظاهر يمين لفاز لمرسله في مكانه بتمكين وكأنه ذكر بما نسي واستعجل فيما أنسى، فخطب خطابه خطوباً وغير تغير قلبه قلوباً وجر ذنبه تجريه ذنوباً، وحدثت كوارث، وكرثت حوادث كلها إلى هذه الحالة منسوب ومن هذه المقالة محسوب وسيأتي ذكر ذلك في مكانه بشرحه وبيانه.
قال: ووصل رسسول عماد الدين زنكي صاحب سنجار فاتخذ توخي المصلحة في المصالحة وعاد فعرف ما أفضى إليه الأمر وما جرى عليه رسل الموصل من الآباء والعود إلى عادة الاعتداء. وانا في هذه السنة المقبلة قد عزمنا على الكر إلى الكرك وأنا راغبون في جهاد قال:(٢١٧ أ) وكثرت الأمطار في شتوة هذه السنة والثلوج وتعذرت الحركة والخروج.
[ودخلت سنة ثمانين]
والبرد قد تقوض اساسه وانقرض بأسه وسقطت جمرانه وسخطت غمراته فتتقاضى السلطان عزم الجهاد وحزم الاجتهاد فاستدعى الأجناد واستعد وخرج إلى مرج الدلهمية من عمل البقاع وقد أذن مرعها بالأمراع وغضب الشعاب ورضت الأعشاب وأمكن الرعي وتمكن السعي وشرع الجند في الاجتماع والجد في الارتفاع وتواصلت الرسل وتراسلت الوصل، وجاء رسول نور الدين بن قرا أرسلان يظهر لما يومئ به الانقياد والاذعان وهو وزيره قوام الدين أحمد بن سماقه وهو حاكم ملكه وناظم لسلكه وأخص خواصه وأخلص ذوي استخلاصه ودخل إلى السلطان من بابي واستفتح خطابه بمفاتحة خطابي وفرق على الخواص والعوام تحفاً وهدايا خصت وعمت، وطرفاً وسنايا مقاصده بها استتمت. ورده السلطان سريعاً وأتحفه إحساناً وسيعاً وشيعاً وسامه بالوصول بمخدومه في خصوص عسكره وعمومه وأقمنا حتى وصلت البشرى بقدومه. وركبنا وتقليناه على فراسخ وشاهدنا منه الطود الراسي الراسخ وأنزله السلطان في سرادقه وعام فيالقه في فيالقه واستصحبه إلى دمشق فأبدى بمنتزهاتها العشق وأضافه وازاره الطافة وأدنى من فضله قطافه ولاعبه بالكره في ميادينها وداعبه بالطرف في بساتينها. ولما تم عبير الربيع في عبوره ونمنم حبي الحبير في حبوره تقاضى غريم الغرام بقضاياه وأعلن العزم السلطاني بخفاياه وأخرج خباياه وأيقن الإسلام بأمانيه ولاكفر بمناياه. واجتمعت العساكر برأس الماء على الملوك والأمراء والأكابر والعظماء، وأشفق السلطان من تكليف ابن قرا أرسلان تجشم المشاق فأنزله في مقام الأرقاد والآفاق وتقدم إلى أخيه الملك العادل سيف الدين بالإقامة معه لا يناسبه. وكان قد قدم كتباً إلى الأجل الفاضل بالوصول العاجل، وإلى تقي الدين نايبه بالديار المصرية بإقباله منها بالجحافل، وسار على سمت الكرك واستصحب عدد الحصر وعدد الأبصار والعسكر اللجب والمنظر المعجب.