كتاب فاضلي إلى صاحب الموصل في هذه النوبة مع رسوله: أحق المودات أدام الله أيام المجلس وأنفذ عزمته وأعلى كلمته وأتم نعمته وشرف همته وحفظ ذمته وسدد حكمه وحكمته بان يؤكد أسبابها ويقصد استثباتها ويحافظ وجود استقامتها مودة ارض الله سبحان انتظامها وأتم النعمة على أهل الإسلام تماما وعادت على مسرات الأولياء بتخليصها وعلى جموع الأعداء بتمحيصها وعلى الملة الحنيفية بأفرادها بمزية النصر وتخصيصها وعلى عباد الله ورعايا أوليائه بسبوغ ظلال الإلفة بعد تقليصها ووعدت في انتظام المصالح واتصالها، وفل شافة الكفر واستيصالها وسددت إلى نحور الكاشحين ما كان طايشا من مناصل الأولياء ونصالها وتلك المودة هي التي تلقى الدعوة إليها بالتامين وتلقى الراية (١٨٨أ) المنصور منها باليمين. ورفع الكتاب الواصل بسببها على الجبين وعلم أن الخير ماى أشتمل عليه نجواه والصواب ما دل عليه فحواه. قال سبحانه في كتابه الكريم "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقه أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف بؤتيه أجرا عظيما". وأحلى الصفو ما تبع الكدر وأجلى الصحو ما كان غب المطر، واهنا الراحات ما كان في اثر تعب السفر.
والآن وقد حفظت المودة مجراها، وألقت الثقة عصاها، ولاح لعين السرى دجاها بل أشرقت شمسها وضحاها، وجرت عمدة الله الإيمان " وقد افلح من زكاها وقد خاب من دساها " سورة الشمس آية رقم ٩- ١٠ ووصل الحاجب أبو بكر كتب الله سلامته وأحسن صحابته بعد أن عاد القاضي عماد الدين إلى مستقر عزه من الحضرة، وقنع بحضوره واستيفاء اليمين الملكية المعظمية البرة. وكانت القناعة في موضوعها والثقة في مستقرها ومستودعها فان النفس واحدة ولكنها ساكنة في جسدين والمصافحة لازمة واليد منها كاليدين ووصل هذا الحاجب بعد أن لقى من سفره نصبا، وكانت سلامته مع اخذ المضيق عليه من طريقه اية عجبا فأنها شقة بعيدة ومشقة شديدة وبلاد مطموحة ومسالك تكاد يكون فيها أسباب العطب مرجحة.
ولم يكن التزم من مقصده إلا الكتاب الذي كان على يده فان التعظيم بحسب قدر المناسب إلى قدرة العلى ومجده وشرفه الأولى، وعن الذي هو أبلا أعيان الأوصاف عين الملا، فسرت فيه نعمة السلامة وتوفرت عليه مزية الكرامة ونظمت اليمين التي احتفل بمحضرها واقترنت الأحكام بظاهرها والصفاء بمضمونها وأقام إلى أن أستكرم له التوفيق واختبرت له الطريق, وتوجه مصحوبا بلطف الله وأمانه داخلا في حرز كنايته وضمانه, ونسخة اليمين على يده سايره والمشافعة له تستولي على المقاصد الباطنة والظاهرة. وقد سرى هذا الاتفاق من الألسنة إلى القلوب وتأكدت فيه قضايا سفرة الوجوب مؤكدة الرجوب, واستبشرت الأنفس بأن الله سبحانه يجعله أحد ما ينجز به وعد نصره المكتوب ولزم للمنة به شكران يحمله الله سبحانه وتعالى فقد "ضعف الطالب والمطلوب".
وكذا للأمير مجاهد الدين قايماز أدام الله تأييده في ذلك السعي المشكور والأثر المأثور وتجارة الخير التي لا تبور, والعزم الذي يتوضح في ظلام الخطب منه " نور على نور" فهو شكور بلسان إحسانه, معدود إذا اتسع ميدان الفضل من سبقه وفرسانه.
وأما الكنب الكريمة الاتابكية فإنها نعمة لا يخفى قدرها, ومنه لا يمطل شكرها, وحسنة تتقدم الحسنات ذكرها, ولو أن المودة قد تأكدت لقيل أنها مما يتأكد به عهدها, وينتظم به عقدها ويشرق به في آفاق الخواطر سعدها وبحسب ذلك نرغب في أن نجعل قوت الأنفس منها إدرارا وسماء أأنعام بها مدارا مع يودع من أخبار نعمة الله سبحانه لديه على أنها نعمة ظاهرة آثارا متظاهرة إيثارا. لا زال الجناب السامي لتحايل الصدور مستخلصا, ولنهر المكارم مستفرصا, ولصفقات المودات مسترخصا, وللقلوب على ما يجب من الموالاة مستحرصا ولا برحت الأيام بحسناته موسومة وأتم الله نعمه فإنها بينه وبين الخلق مقسومةوهو تعالى فاعل ذلك بكرمه أن شاء
[ذكر خروج السلطان إلى مرج الفاقوس في ذي الحجة من السنة.]
قال: وخرج السلطان إلى الفاقوس وخيم بمرجها وزجرت بحار عساكره هناك بفوجها وموجها. وكان مقصوده إرهاب العدو في ثغره وإزعاجه بذعره وهو يركب للصيد والقنص والتطلع إلى أخبار الفرنج لانتهاز الفرص. ولم يخل يوم من إنهاض سرية سرية واعتراض البرية الكافرة في كل معقل وبرية.