قال: هذه النوبة المباركة كانت للفتح القسي مقدمة ومن عجايبه أن فارسهم ما دام فرسه سالما لم يدم لمصرعه فإنه من لبسه الزردى من فرقه إلى قدمه كأنه قطعة حديد ودراك الضرب والرمي إليه غير مشيد لكن فرسه إذا هلك فرض وملك فلم يغنم من خيلهم (٢٣٢أ) ودوابهم وكانت الوفا فرس سالم وغنمنا ما لا يحصر من بيض مكنون وزعف موضون وبلد وحصون وابتدلنا منهم بهذا الفتح كله إقليم مصون وذلك سوى ما استفتح من مال مخزون واستخرج من كنز مدفون ولما صح الكسر وقضى الأمر وسكن البحر وتمكن النصر ضرب للسلطان في تلك الحومة دهليز السراديق وتوافت إليه فرسان الحقايق ونزل السلطان وصلى للشكر وسجد وجدد الاستبشار بما وجد وأحضر عنده من الاسارى الملك والابرنس وأجلس الملك بجنبه ليزايله الوحشة ويحل له وهيهات الإنس وألفاه يلهث للعطش وينظر مبهوتا نظر المتوحش فأمر له بماء مثلوج فشربه ثم ناول الملك الابرنس القدح فاستشفه ثم حضر الترجمان حتى يعرف جواب ما يخاطبه به السلطان وما زال يقرعه بغدر وبغيه ويذكره بجله وغيه ثم ركب وخلاهما ولم ينزل حتى شاهده ضرب سرادقه وبطست نمارقه وركزت أعلامه وبيارقه ثم نزل وأمر بإحضار الابرنس فقام إليه بالسيف فحل عاتقه وحفظ مع الله في نذر دمه مواثقه وكان عنده جادم ثم فجر برجله بعد أن أخذ رأسه وهد أساسه فلما شاهده الملك يسحب بقدمه ويشحب في دمه طار عقله وثار خلبه واستحضره السلطان فخانت رجله فجاه مرتعبا مرتعشا وظن أنه كرفيقه هالك فقربه وسكنه وأدناه وأمنه وقال: ذاك بصنعه لعهده ضيعه وإصراره على غدره صرعه وأجلسه وآنسه وهيهات يبتعش من الله أتعسه أو يسعد من الكفر أنحسه ثم جمع الأسارى العروفين وسلمهم إلي وغلى قلعة دمشق الناصح وسلمهم إلى أصحابه وأمرهم أن يأخذوا خط الصفى القابض في دمشق بوصولهم ويحناط عليهم في أغلالهم وكبولهم فتفرق العسكر بمن ضمته أيدي السبى على أهل الأحد وسار الناس منهم بالمدد. وعبرت بحطين فرأيتها موضع الاعتبار وشاهدت ما فعل أهل الإقبال بأهل الإدبار وعاينت أعيانهم خبرا من الأخبار ورأيت الرعوس طايرة والنفوس بايرة والجسوم رمتها السوافي والرسوم درستها العوافي ولما أبصرت خدودهم ملصقة بالتراب وقد قطعوا أرابا تلوت قول الله تعالى (ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا) ولما أصبح السلطان يوم الأحد خيم على طبرية وأرسل القومصية وأخرجها من حصنها بالأمان ووفى لها ولبنيها الفرسان شروط الإيمان فخرجت بمالها وعيالها ورجالها وأقلها وولى طبرية صارم الدين قايماز النجمي فعادت بعادته الجميلة آهلة بأهل اليمن والإيمان معتدلة المحاسن بالعدل والإحسان وسكنت مساكنها وعمرت أماكنها وقبضت مخازنها عرضت دفانيها وعاد الإسلام الغريب منها إلى وطنه والدين الحافل منها إلى مأمنه وأصبح السلطان يوم الإثنين السابع والعشرين من الشهر مغتبط بما شهره الله له من سيف النصر فرأى أنفاذ مقدم الداوية مع الملك وأخيه وجماعة الأكابر إلى دمشق كما سبق ذكره ثم نفذ في الأسارى الداوية والاسبتارية خاصة أمره وقال: لا نفع في ابقائهما وهما جنسان نجسان فلا بد من أبادتهما وأردائهما فما جرت عادتهما بالمفاداة ولا يقلعان من المفاداة فتقدم باحضار كل أسير داوى واسبتارى ليمض فيه حكم السيف ثم علم أن كل من عنده أسير لا يسمح به فجعل لكل من يأتيه بأسير منهما من الدنانير الحمر خمسون فأتوه في الحال بمائين وأمر بإعطابهم وضرب رقابهم وكان بحضرته جماعة من المطوعة المتورعة والمتصوفة ومن تمت بالزهد والمعرفة قد اعتقلوا إلى ضرب الأعناق ووقف كل منهم حاسرا عن ساعد ومشمرا عن ساق فمنهم من أمضى عقبه وأمضى ضربه ومنم ما كبا زنده ونبا جده والسلطان جالس وماله عن انفاذ حكم الله فيهم حابس ووجهه باشر ووجه الكفر عابس فشاهدته الضحوك القتال والمختال المغتال وكان الأسارى قد سبق هم إلى البلاد الناس ولم يقع على عددهم القياس فكتب إلى الصفى بن القابض نايبه بدمشق أن يعجل لطلب الداوية والاسبتارية السبق ويضرب عنق من يجده منهم فامثل الأمر في أزهاقهم (٢٣٢ب) وضرب أعناقهم فما قتل إلا من عرض عليه الإسلام فأبى أن يسلم ورأى لشدته في كفره أن ينقاد للقتل ولا يستسلم وما أسلم إلا آحاد حسن إسلامهم وتأكد بالدين غرامهم.