قال رحمه الله: وفي هذه السنة غدر ابرنس إنطاكية وأغار على خشير شيزر وغدر القومص بطرابلس بعد الأمان بجماعة من التركمان فان الإفرنجية اجتمعوا وقالوا: الصواب ان نفرق عسكر الإسلام في ثغوره بالارغاب والإرهاب فإنا إن هادناهم من جانب توفر عسكرهم من الجانب المجانب وتجرد لأصابتنا بالمصايب فاقتضى الأمر أن رتب السلطان ولد أخيه تقي دين في ثغر حماه ومعه شمس الدين بن المقدم وسيف دولة على المشطوب وصاحب شيزر بعسكره محتاط في مورده ومصدره وأمرهم بالاتكثار من (١٩٧ب) الرجال واستخدم نخب الأبطال ورتب ناصر الدين محمد بن شيركوه في حمص في مقالبة القومص. وكلهم مأمور بالتنبيه بكل صوب والاصاخة إلى كل صوت رابض في مكانه وإذا أحس بدناه وثب عليها ممسك بعنانه وإذا سمع هيعه طار إليها. قال: وبعد توديع السلطان أخاه شمس الدولة أغار على بلاد الفرنج لمشاهدة الحصن الذي بنوه.
فصل في معناه قصدنا البرج ونازلناه وما زلنا نقاتل حتى أزلناه واحتموا بباطنه فما خرج احد رأسه وسنعود إليه بعون الله ونقلع أساسه فصل آخر وأما الإطراف فان ملوك ديار بكر إلينا ملتجون ولنا مرتجون ومن سلطان الروم مستشعرون وبسلطاننا مستظهرون ووصل رسول سلطان الروم قلج أرسلان يعف لنا صفاه ويوفينا وفاة ويعرض وده ويعرض بما عنده وقد توافر اجتهادنا على أن نستميل كلا إلى الجهاد ونجمع شملهم على الاتفاق والاتحاد والله تعالى يوثق لنا مواثق رضاه من أمر رحيل هذا المرام وامراع مراد هذا المراد.
قال: وانتقل السلطان إلى الشعراء وخيم في مروجها وسام الخيل في اكلاء خروفها وخروجها ولما تطوحت الأعشاب وصوخت الشعاب وانتقل إلى بانياس وقد وفد من البوادي من جرى بسيله الوادي فرام أعتاب البرية وأعراب البرية وقال: هؤلاء إذا اكتالوا السنة من الشام بلى العام بالمحل العام وجمع عنده الجموع فبلغت الخيم إلى حدود بلد الكفر وكان في كل يوم يركب وفي خدمته الخواص ويظهر أن غرضه الاصطياد والاقتناص ثم ينزل على النهر ويجرد فرسان الجلاد والقهر ويسير قبائل العرب إلى بلد صيدا وبيروت حتى يحصدوا غلات العدو ويجمعوا القوت وما يبرح مكانه حتى يعودون بجمالهم وأحمالهم موثقة بأثقالها حتى خف من زرع الكفار بالقرب ولم يحصل من ذلك كفاية الغرب. وأشفق على الناس وجمع الأمراء وشاروهم في الأمر وقال: قد علمتم غلا الغلات وإقلال الأقوات وظهور أعراب البادية وخفاء الأعشاب البادية وما كان بالقرب من غلات العدو وزروعه استجناه واجتحناه ولم يبق إلا أن تنهض عساكرنا بالنوبة ونقيم بقوتها إلى حين الأوبة فأجابوه بالسمع والطاعة وما زالت المقانب تنهض والطلايع على مراكزها تربض والمزارع تحصد والمواضع تقصد والثمار تصرم والضرام تضرم قال:
[ودخلت سنة خمس وسبعين وخمسمائة]
والسلطان صلاح الدنيا والدين نازل على تل القاضي ببانياس وقد عم بالإيناس الناس وفي كل يوم يصاحبون بلد العدو ويماسونه، ويداوون جرح الجدب بما ينقلونه من الغلات ويأسونه حتى لم يبق هناك الا اليسير واجمعنا على أنا نستجيبه في يوم واحد ونسير. وكان المقدم على العسكر عز الدين فرخشاه بن أخي السلطان شاهنشاه وكان مخيمه على بعد من السرادق السلطاني وقدامه فلما استهل محرم هذه السنة حضر عند السلطان عمه وقال أن المقام ههنا يصعب لا سيما والحر قد تضرم، والزرع قد تضرم وأهل الشرك هاجمون واجمون ولظنونهم فيما هم راجون راجمون فنتحول إلى حيث نتبدل من الضيق بالسعة فقال السلطان ما أنجب الرأي الذي رأيتموه وانجح السعي الذي سعيتموه وقد بقي لكم أن تنهضوا الليلة أجمعين وعلى بلاد الكفر مجمعين فتجمعون منها ما بقي في مواضعها المتفرقة وإذا عدتم سالمين غانمين رحلنا صوب البقاع واستأنفنا ما يعود للإسلام ولارتفاع والانتفاع.