ولو لم أعد إنسان عيني فأنه ... يراكم سريعا غرقته المدامع
فسألني الملك الناصر أن أجزيهما ليكتب إليه فقلت:
بنفسي وما أحوى وروحي ومهجتي ... كتاب لأسباب الفضائل جامع
يخبر عن قلب حوته أضالع ... ويوم النوى قلبي نفته الأضالع
ومن عجب إنسان عني ظاميا ... وقد غرقته في المياه المدامع
فلما وصل شمس الدولة إلى تيما وقرب من الشام نظم شاعره المعروف بابن المنجم جواب الأبيات وكتب:
ولبته لما دعاني منازعا ... بنفسي ومالي والمشوق منازع
وأني بيوم واحد من لقائه ... على عظم المزية بايع
(٢. ٢ أ) وما الملك إلا راحة أنت ... زندها يضم على الدنيا ونحن الأصابع
فيا برق طالعه بأني واصل إليه ... وإن طال التردد راجع
فأحضرني السلطان عند وقوفه على الكتاب وحثني على نظم الجواب وذلك يوم أول شوال وأعتمد لسرعة أمره الإرتجال فكتبت قصيدة طويلة كتبتها إليه ومنها:
تألق برق من تهامة لامع ... يبشر أن الله للشمل جامع
يحاكي خفوق القلب مني ... خفوقه فهل راعه مثلي من البين رايع
لقد طال ليلي لانتظار صباحكم ... فهل لتباشير الصباح طلائع
كأنك شمس الدولة البدر بيننا ... ونحن حواليك النجوم الطوالع
قال: ولما أقام بدمشق وفد على جانبه الوفود وأفنى موجوده الجود وشفه بالواردين بحر عطائه المورود، وما زال يفكر في إطلاق ما يليق إلي من الجائزة ففرض لي من فرضه عيذاب مواهبه الغراب وأمر في توقيعه بها النواب وحسب ما أعطاني العطاء الحساب، ولم يكن قط في توقيه تعويق فقلت: قد أحالني البحر على عيذاب ونونها مهامه إذا قطعها الحديد ولم يع ذاب ومن لي بها ومن لاستدنائها وتقريبها فقيل لي أدنى هباته من أقصى اليمن وعيذاب على كل حال أقرب من عدن فأدرجت التوقيع في كتاب إلى المولى الفاضل وأودعته الخريطة السلطانية وثوقا بالوصول فولت إلى مصر وقد سار على عزم الحج على طريق البحر فسيرت إليه تلك الخريطة فاتفق وصولها ساعة ركوبه بحر عيذاب فتسلم الكتاب وأحضر النواب وعرض التوقيع وفض الجميع فما رأيت عطاء منه أهنا ومن المن أبرأ وما عرفته إلا من الوارف الفاضلية.
[ذكر وصول الرسل من الديوان العزيز]
قال: وفي رجب سنة ست وسبعين وصلت رسل الديوان العزيز الأمامي الناصري وهم صدر الدين شيخ الشيوخ أبو القاسم عبد الرحيم ومعه شهاب الدين بشير الخاص بالتفويض والتقليد والتشريف الجديد فتلقيناه بالتعظيم والتمجيد. وقد عرف السلطان ما بيني وبين شيخ الشيوخ من الأواصر الموشجة المتمازجة واللحمة المتمازجة فإن أولاده من ابنة عمي العزيز فأمرني بالوصول إليه والمبيت عنده ليلة وصوله إلى القصر فخرجت أوان العصر ودخلت إليه ولمت عن السلطان عليه وبت طول ليلتي أسامره وركبت سحرا من عنده لأسبق بالدخول وأخبر بالوصول فجئت إلى السلطان وقد ركب للاستقبال ولما ترآى الرسل الكرام ووجب لهم الاكرام والاعظا نزل وترجل وأبدى الخضوع وتوجل، ونزل الرسل إليه وسلموا عن أمير المؤمنين عليه فتقبل الفرض وقبل الأرض ثم ركبوا ودخلوا المدينة وأنزلوا بنزولهم السكينة وانشرحت الصدور واستبشرت الوجوه بصدر الدين وبشير وظفر السلطان من صدر الدين بصديق صدوق مشفق مشير، وكان قد عزم على قصد الديار المصرية وسلوك طريق ايله والبرية فحسن لشيخ الشيوخ مصاحبته، ورغبته في زيارة الشافعي فقال قد عزمت على الحج فأقبلوا عذر المحتاج المحتج ثم قال: أصل معكم إلى القاهرة بشرط إقامة يومين ولا أدخلها وإنما أسكن التربة الشافعية فأنزلها وأسير منها إلى بحر عيذاب وأركبه إلى جده فلعلي أدرك صوم رمضان بمكة وأغتنم وأقيم وأقضي الحج إذا حل موسمه فأجيب إلى القترح وأعاد السلطان أصحابه إلى بغداد ليأتوه من أيبتها إلى الحجاز، وسير السلطان شهاب الدين بشيرا في جواب رسالته على رسم عظمة الديوان العزيز وجلالته وسار معه رسولنا ضياء الدين الشهرزورى لهدايته إلى الراشد ودلالته واستصحبنا شيخ الشيوخ معنا إلى مصر فأقام يومين كما ذكر وتوجه منها إلى مكة على البحر فأدرك بها الصوم.
(٢٠٢ب) ذكر الرحيل إلى مصر يوم الاثنين ثامن عشر رجب والوصول إلى القاهرة ثالث عشر شعبان