لاشك أن المولى تغرق الجبال في بحره, وتضيق العظايم في سعة صدره, وهذه عادة الخواطر والله سبحانه قد أشرك بين الخلق فيها ولكنه عند الصواب أفرده. والملك فيما يرد عليه منها بمثابة الشجرة فيما يرد عليها من مائها ما يتنقى صفوه تستسيغه فينبو عن قذاه فتمجه وتلفظه. ومن أمثال العرب رب عجلة تهب ريثا. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا كان الخرق في شيء إلا شأنه ". ولعمر والله أن الفرص إذا لاحت لا يحمد الرفق فيها وإنما يحمد إلى أن يلوح مضاربها ويحمد مطالبها. والله تعالى يقدر المولى على نيل أعراضه ويسدد سهمه لطابقة أغراضه.
[فصل آخر]
المولى عفيف إلا أن نوابه والمشارف مأمون إلا أن كتابه إلا أنه غير متصرف.
ولكل شرع آفة موجودة ... نور السراج على سراه يدخن
[فصل آخر]
وأما سور القاهرة فعلى ما أمر به المولى شرع فيه والله يعمر المولى إلى يراه مستديرا على البلدين, وسورا بل سوارا يكون به الإسلام محلى اليدين محلا الضدين والأمير بهاء الدين قراقوش ملازم الاستحثاث بنفسه ورجاله لازم لما يعينه بخلاف أمثاله قليل الثقيل مع حمله لأعباء التدبير وأثقاله.
[فصل آخر في حق نقل القضاء]
(١٩٤ ب) من شرف الدين إلى ابنيه. أما ما أورده المولى دفعة وثانية في معنى الحكم بدمشق فالمولى متوقف في مقاما لتوقف متردد في مكان التردد ولن يخلو الأمر من قسمين والله يختار للمولى خير الأقسام. أما إبقاء الأمر باسم الوالد بحيث يبقى رأيه ومشاورته وفتياه ويتولى النيابة ولداه ويشترط عليهما المجازاة لأقل زلة وترك الإقالة لأقل عثرة فطالما بعث حب المنافسة الراجحة على اكتساب الأخلاق الصالحة وأما أن يفوض إلى الإمام قطب الدين فهو بقية المشايخ وصدر الأصحاب ولا يجوز أن يتقدم عليه في بلد إلا من هو أرفع طبقة في العلم منه.
[فصل آخر من كتاب في معنى أخيه شمس الدولة]
وأما المولى المعظم وما قام به من المغارم الجليلة وحمله من التكاليف الثقيلة فالمولى لا يحاسبه فيما يعطيه فإنه إذا أعطاه فقد جعله واسطة بينه وبين سليليه. وقد كان معاوية أجاز عبد الله بن جعفر بعشرة آلاف ألف درهم فقيل له فيها واستكثرت فقال: إنما أعطيت بني هاشم وبني أمية وأهل الحرمين فلم يعد عبد الله إلى بيته إلا بعد أن تحمل خمسة آلاف درهم دينا والدين داء يصيب إكرام ويسلم منه اللثام ولو كان ما يفعله المولى المعظم فعل صديق لوجب أن يفدى بالحداق فكيف فعل أخ لا يجري المماليك مجراه في التوفيق والوفاق.
[فصل في ذم ملء دمشق]
عرف المملوك من الكتب الواصلة التياث المولى الأمير عثمان والحقير مما ينال ذلك الجسم الكريم يؤثر في قلوب الأولياء الأثر العظيم وقليل قذاة العين غير قليل وماذا يقول في بلد لو صحت الحمية من مائة لكانت أكثر من أسباب صحة المحتمى وشفائه فإنه ماء يوكل وبقية الأمواه تشرب ويجد وخامته من ينصف ولا يتعصب ونرجو بكون هذا المولى قد أمسك عن الفاكهة الدمشقية التي لا يخفى كثرة فضلاتها وعن أكل اللحوم المجلوبة التي نقلها سير الطريق إلى شر حالاتها.
[فصل آخر]
والعرب جنس كالحنظل كلما زيد سقيا بالماء العذب أفرطت مرارة ثمره وعزت نضارة خضرته.
[فصل آخر]
وأما الحديث ملك النوبة فإنه من أن يسخى بحجر لنباحه أو يشمر عن ساق لخوض ضحضاحه ولو أن شرارة من زند العزم أو ريشة من ريش السهم هتفت إليه لذاق وبال أمره وعرف بقدر وجهه الذي هو أشد سوادا من قدره.
ومنه إذا وصلت من المولى رفقة نجابين فكأنهما عسكر نجدة قد بشرت وإذا فض منها كتب فكأنها الوية فتح قد نشرت ورسله وكتبه بالإضافة إلى شغله, ومهماته كثيرة ولكنها بالإضافة إلى تطلعنا وتشوقنا قليلة.
وما استكثرت في اليوم منها ألفها ... وواحدها في الحول منك كثير
وكتاب المولى إلى المملوك مزينة سماؤه من حروف خطه بمصابحها, ومفتوحة له أبواب السعادة من أسطره بمفاتيحها.
فلا عدمت عيناي كاتبه الذي ... له الفضل مكتوبا إليه وكاتبا
صبحت به والله أعظم نعمة ... فلا زال مصحوبا ولا زالت صاحبا