قال: وأقام السلطان بمصر مشتغلا بمصالح الدين والدولة مشتملا من نعم الله على التفضيل وبالجملة محتفلا بمجالسة العلماء ومذكراة الفضلاء والجلوس في دار العدل للمالم وكسر المحامد بالمكارم ونحن في لهية وعشية رغدة بل هنية. قال: وفي هذه السنة عربت كتاب كيمياء السعادة تصنيف الإمام أبي حامد الغزالي في مجلدين وفزت من تعريبه وعلم ما فيه بسعادتين وذلك بأمر فاضلي لزمني امتثاله وشملني في إتمامه إقباله. قال: وفي سنة ست وسبعين مات صاحبي المعتمد إبراهيم (بدمشق وأنا بمصر) وفجعني مصاب كمصابه وفل شبا صبرى لفل شبا شبابه وقد كان بمصالحي كافلا وجهده في صون حوائجي باذلا خدمني في أول أيامي بالعراق وفراسة والدي رحمه الله دلت على ما وجدته فيه من الإشفاق ومما رثيته به قصيدة أولها:
أرى الحزن لا يجدي على من فقده ... ولو كان في حزني مزيدا لزدته
تغيرت الاحوال بعدك كلها فلست ... أرى الدنيا على ما عهدته
عقدت بك الأمال بالنجح واثقا ... فحلت يد الأقدار ما قد عقدته
أردت لك العمر الطويل فلم يكن ... سوى ما أراد الله لا ما أردته
فيا وحشتا من مؤنس قد عمدته ... ويا وحدتا من صاحب قد فقدته
فقدت أحب الناس عندي وخيرهم ... فمن لا يمي فيه إذا ما أنشدته
[قال ودخلت سنة سبع وسبعين]
والسلطان مقيم بالقاهرة، والأيام ظاهرة الليالي زاهرة، والدزلة العالية ضاحكة المباسم مالكة المرايم مهتزة الأعاطف، معتزة الأطراف، سنية الألطاف، والأنعم مستمرة مستقرة، والأعين قريرة والألسن مقرة، وأنامل الأنام بالدعاء إلى الله مرفوعة، وأدعية الصالحين في ذمام دولته مسموعة، ولرواية الأحاديث النبوية رواء، وللأرواح من أورادها أرواء.
وكان البندهي المسعودي فصيح الحجة، صبيح البهجة، عالي الرواية، حالي الدراية يؤدي بقراءته الصحاح صحيحه، تسمع من ألفاظه ألفاظها الفصائح فصيحة وتسمع من ألفاظ السلطان قد عين له للسماع ميقاتا وجمع به من العلم والعلماء أشتاتا فما أحسن شمايله وأشمل محاسنه وأزين محافله وأحفل مزاينه وأمكن فضايله وأفضل أماكنه.
قال: وفي هذه السنة ورد كتاب عز الدين فرخشاه من الشام يذكر ما من الله تعالى به على الأنام من الأنعام، وإن ولادة التوم كثرت في هذا العام فأنشات رسالة توأمية أصدرتها إلى الأجل الفاضل فإنه يعرض في سوقه بضاعات الفضايل ومنها: لئن أتأم العام بالحنين وأتى بالحسنين فما زال لكل قد توأمان فللعدل العمران وللدهر القمران وللسماء سوى توأميها الفرقدان وللأرض (مرج البحرين يلتقيان) لكن الزمان لم يزل بميل مولانا الفاضل عقيما واولا صحة فضله وحة أفضاله لكان الدهر سقيما فهو واحده وأوحده وماجده وسيده وبراعته أم البراعة قد أتأمت ملكي مصر والشام وعززت من القن بثالث بيمين الإسلام، والملك توأماه الناصران العباسي بلأمانة كفيل وجود الماجد الأيوبي في نيابته وكيل، والمال والنصر توأما نعت فخره وتميما نحت نجره، وكوكبنا سعد فخره ومركبا جاش حزمه وموكبا جيش عزمه وكذلك النظم والنثر توأما الفضل ومولانا الفاضل مربيهما، وهما نجيبا بنانه وجنينا عنانه وإنسانا عين بيانه فلا جوار لمها من جور عناد الدهر إلا عنده ولا رواح لرجائهما بين كرام العصر إلا ف سوقه ومجده.
[(٢٠٣ب) ذكر وفاة صاحب حلب الملك الصالح رحمه الله]
قال: قد سبق ذكر الملك الصالح اسمعيل بن الملك العادل نور الدين رحمه الله، وأنه أقام مقام أبيه وأقام عند السلطان إلى الشام على تأبيه. وكان قصد صلاح الدين إصلاحه وأن يضمه إليه ويضمن نجاحه وفلاحه فصده عنه ممالك كفلوه فأخذت بلاده كلها بلجاجهم وفرضت دولته لسوء علاجهم فامتنع بحلب وبعد عله من استعادة البلاد ما طلب ولم يزل بحكم المسئولين عليه مكفولا ولا يجد لحلف رأسه عقولا فأسرعت شمسه لبازغة افولا وسعت سعادته عنه قفولا.
ووصل صاحب الموصل عز الدين مسعود إلى حلب فجمع ظاهره وباطنه وأخذ خزانيه وإخراج دفاينه وأخلى كنائنه ثم عرف أنه لا ستقر له بها أمر فرغب أخاه عماد الدين زنكي صاحب سنجار في تعويضها له بحلب فمال إلى بذله ورغب وتسلم حلب وسلم سنجار وأقام في رغد لو أمن الجار.