قال: ولما عزم السلطان على التوجه خص ابن أخيه عز الدين فرخشاه باليابة عنه بالشام وقلد أمر أجناده وأعماله بسائر أحواله وشحذ عزمه وأنفذ حكمه. ولقد كان عزيز المثل عزيز الفضل معقود الضريب محمود الضريبة مخصوصا من قبول اقلوب بالمهابة المحبوبة والمهيبة المحبة.
ولقد جرت مدة أيالته أحوال دمشق على احلى حالته وله أياد وغايات في المكارم ومباد ولى فيه مدايح طالت قصائدها وجالت في الأعناق قلايدها وأذكر في هذا الكتاب ما هو شرطه ورسم شرحه وبسطه وكتب إليه يوم توديعه كلمة شينية عظم شأنها وتمم بلإحسان احسانها وسير لي مع فروة واكديش عطاء لم يترك اسراعه للحمد إبطاء ومن أبياتها:
اسأل الله العلي أن نعيش ... ألف عام لنصرة مستجيشا
رعبكم يقلع القلاع ويضحى الرعب ... ههنا للحمد من بأسكم منقوشا
ما أكرى شيئا سوى فروة منك ... وأبقى لسفرتي أكديشا
كيف يخلو من ذي ظهر وظهر ... سالك طريق أيله والعريشا
قال: ولما نزلنا ببصرى إلى مصر متوجهين جلست في خيمتي وحولي أصدقائي المودعون مجتمعون فقال أحد الجمالين قد وقفت لي جمل وما لنا في صحبته أمل فأبغ جملا نبتاعه وإلا فقد حصل على الأرض متاعه. وعندي صديق قام وغاب وتركني أخطب في شرى الجمل الأصحاب ثم عاد سريعا ومعه ثلاثة من حجاب ثلاث من الأمراء الموعين وقالوا سمعنا بابتياعك الجمال لحمل الأثقال، وقد أتينا بخير ما عندنا من الجمال فعرفت أن ذلك الصديق قام وقصدهم وقال: إن كنتم تريدون أن تتقربوا إلى فلان بما يقبله فسارعوا إلى إهداء الجمال له فشكرته على هذه المكرمة ونسقتها في عقود مكرماته المنتظمة وهذا الصديق المعروف بموفق الدين أبى يعلى حمزة العنزي من أعيان حماة وأمثالها. وكان ذا همة تروي المكارم من مناهلها وأراد في تلك النوبة أن يصحبنا إلى مصر فاحتاج السلطان إلى من يديه فكتب له وودعته وسرنا وسار وشب شوق الأحبة في القلوب النار ووصلنا القاهرة على طريق أيله ثالث عشر شعبان واستقبلنا أهلها والملك العادل أخو السلطان حينئذ بمصر نايبه وتلقتنا مواكبه وخدمته بكلمة منها:
أحبة قلبي طال ليلي بعدكم أسى ... فمتى ألقى بوجهكم الفجرا
فقدت حياتي مذ فقدت لقاكم ... فهلا أخذتم فيه من ناره حذرا
لقد عاد أنسى وحشة بفراقكم ... فهل لحياتي منكم نشأة أخرا
سكنتم فؤادي وهو في نار شوقكم ... كما عاد عرف الدهر بعدكم نكرا
وقد كنت مغترا بأيام وصلكم ... ولا يأمن الأيام من كان مغترا
قطعنا بأيام وصلكم ... ومن قصد بحر الندا يقطع البحرا
إلى عزمة في المجد غير قصيرة ... وكان قصارى أمرنا أن نرى القصرا
قال رحمه الله: وفي أوايل سنة ست وسبعين توفي صاحب الموصل وهو سيف الدين غازي بن مودود زنكى ونحن مقيمون على كوك سو من حدود بلد الروم وجلس مكانه أخوه أحمد عز الدين مسعود بن مودود بن زنكى فجاءنارسول مجاهد الدين قايماز وهو الشيخ الفقيه فخر الدين أبو شجاع ابن الدهان البغدادي يلزمنا بحكم اليمين مع سيف الدين وقد سير معه بنسخة اليمين التي حلف بها السلطان وفيها إبقاء سيف الدين على ولايته وأنه لا يغير على نوابه وأخوته. وقال هذا أخوك الذي حلفت أنك لا تغير عليه فبأي تأويل تقبض ما ف بعد الوفاة (٢٠٣أ) ونحن نرى رأينا فيما نعتمده ونحله في الأمر ونعتقده، ونطالع الديوان العزيز النبوي أعز الله نره ونمتثل في ذلك أمرنا وأعدنا الرسو على عادة الكرام بالتشريف والأنعام، وشرعنا في العود إلى دمشق واليقين من الله بتسديد مرامي المرام.