وأما الفرنج فإنهم لما سمعوا باجتماع كلمة الإسلام ووصول أمداد العساكر المصرية والجزرية إلى الشام فزعوا وشرعوا ف إصلاح ذات بينهم ورجعوا عن التغاير والتنافس وقالوا نحن أنصار الطرسة وأصلاب الملة الصليبية وآثروا صلح القومص ووصلوا على مرادو مطالع أمانيه بالخلص وتزاوروا وتوافدوا وحشدوا وحشروا وجمعوا عنده الناسوت واللاهوت ورفعوا صليب الصلبوت وأصحروا بصحراء صفورية وطما سيل خيلهم على الوهاد والربى ودب راجلهم كرجل الدبا واجتابوا سوابغ واجتنبوا سوابق والمعوا البوارق واسمعوا الصواعق وشبوا نار الفرق وأشابوا المفارق وما زال السلطان مستخيرا ولا عوانه مستشيرا فأشار الأمراء ذووا الآراء بالصدود عن اللقاء والمحافظة على زمار الإسلام وصون الدماء، وقالوا لم يسبقك أحد إلى مضايقة القوم فلا تعركم عقال المعركة ولا تلق بأيديهم إلى التهلكة وهذه بلادهم قد خلت منهم فتشتغل بالإغارة على بلادهم الخالية ونقدهم بأقدامنا عطل أحوالها الحالية. فقال السلطان: الأيام غير مأمونة والأعمار غير مضمونة الجهاد قد تعين فرضه ولا بد لي من اللقاء وقد قال أصدق القائلين: (ولينصر الله من ينصره) فقالوا خصك الله بهذه الفضيلة ونجح الوسيلة وحيث استرخت الله في الإقدام فأنا نبذل المهج بين يديك للإسلام فلما أصبح يوم الخميس سار عنان الحوض عنان الجواد المطلق ولاح سنا الموت الأحمر في السنان الأعرق وأشرف على الفرنج في معسكرها العسكر وقام المحشر وماح البيض والسفور وارتفعت الأصوات بقول الله أكبر فلو برزوا للحصاف لطالت عليهم يد الانتصاف لكنهم ربضوا وما نبضوا وهدءوا وما نفضوا فلما عرف السلطان أنهم لا يبرحون من قرب صفورية أمر أمراءه أن يقيموا على مقابلتهم وقدموا على عزم مقابلتهم ونزل هو في خواصه العشية على مدينة طبرية وعلم أنهم إذا علموا بنزولنا ثاروا للوصول إليها فحينئذ نتمكن من قتالهم ونجهد في استئصالهم فحضر طبرية وجمع العساكر على أحد أبراجها فوقع ذلك البرج وانهزم عنه الفرنج ونصبت عليهم سلاليم الإسلام ودخلوها في جنح الظلام واستضاءوا بما أعلوا من الغرام وعادت ليلة معدودة من الأيام ووقعت النار في مخازن كبار واهراء الأغلال وبقيت الدور فارغة شاغرة وأفواه الأطماع إلى أزواد ما يحويه فاغرة وتحصنت القومصة ست طبرية في قلعتها ومعها بنوها وحموها بسيوفهم وعصموها ووقع الاشتغال بحصارها ونقب جدارها وقصم سورها فجاء من أخبر بأن الفرنج قد ركبوا وارتكبوا وجاءوا في ليل القتام مداجين وغلى حرب التوحيد بحرب التثليث مخرجين فلما سمع السلطان بحركتهم أيقن بهلكتهم وقال: الحمد لله الذي أنجز وعده وأيد جنده ونهض بجباله إلى جبالهم وار لقتالهم وضيق عليهم سعة مجالهم ووقف بصفوفه أمامهم وقد الحر واستشرى الشر وللصدى شعل ولأولئك الكلاب بين الله لهب وفي ظنهم أنهم يردون الماء ويردون الدماء فخلاتهم الحالة الحالية وعالتهم العلة العايلة وذلك في يوم الجمعة ووراء عسكرنا بحيرة طبرية والورد عد ومأمنه بعد ود قطعت على الفتوح طريق الورود وبلوا من العطش (بالنار ذات الوقود) فوقفوا صابرين مصابرين على ضرواتهم وشربوا ما في أدواتهم وشفهوا ما حولهم من المصانع واستنزلوا حتى الماء المدامع، ودخل الليل وسكر السيل وماتوا بظماء برح وقدوا أنفسهم على الشدة واستعدوا بالعزايم المحتدية وسهر السلطان تلك الليلة حتى عين الجاليشية من كل طلب بأسماء رجالها ملأ كتايبها وكان ما فرقه من النساب أربعمائة حمل ووقف سبعين جمارة في حموة الملتقى يأخذ منها من خت جعابه ورغ نشابه من تعالق يفتح من باب الموت والمغلقوتواضيح لخراق المضاعف الفسيح وناوكات ذوات نكايات وزياريات وزنبزركات.
ذكر يوم حطين وهو السبت الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر