قال: ومن حسن الاتفاقات ان الأسطول المصري النصور غزا في أول هذا العام وتوغل في الجزاير على أهل الجزاير وظفر ببطشة كبيرة فلقيها بالبطشة الكبرى واستولى عليها وعلى أخرى وعاد إلى الثغر المحروس مستصحبا ألف راس من السبي وكان تاريخ استطالة الأسطول على الفرنج بمصر في البحر تاريخ بطشتنا بالشام من غير تأخير بحزب الكفر.
(١٩٨ ب) فما اقرب بين النصرين في المصريين وما أعذب عذاب الفئتين وتجريعهما الأمرين من المرين.
[ذكر منقبة لعز الدين فرخشاه]
قال: ذكر عز الدين أنني في تلك المعركة والجولة الحالية أما عن المملكة وأما عن المهلكة تذكرت قول المتنبي:
فإن تكن الدولات قسما فإنها ... لمن يرد الموت الزؤام تؤول
ومن هون الدنيا على النفس ساعة ... وللبيض في هام الكماة صليل
فهان أموت في عيني فما أفرق بين حياتي وحيني وحكى الأمير حسام الدين تميرك بن يونس وكان مع عز الدين في الوقعة أنا كنا في أقل من ثلاثين فرسا فقد تقدمنا من أهل الفتك فشاهدنا خيل الفرنج في ستمائة فارس واقفين على جبل وبيننا وبينهم الماء فقال نعبر النهر إليهم ونحمل عليهم فقلت له كيف تقول هذا وبمتى تحمل عليهم فقال إذا عبرنا النهر إليهم ذلوا وتبعنا من رآنا من عسكرنا وإن وقفنا لهم طمعوا فينا وجاءوا وعملوا ما شاءوا فسار إليهم وعبر الماء فما وصل إلى القوم إلا في عدتهم وقل من حد عدتهم ووافق ذلك رجف السلطان ونصر الإيمان.
[ذكر غيبة تقي الدين عن هذه النوبة]
قال: كان سلطان الروم قلج أرسلان أرسل في طلب قلعة رعبان وادعى أنه من بلاده وإنما أخذه نور الدين رحمه الله على غير مراده وأن الملك الصالح ولده قد أنعم به عليه ورضي بعوده إليه وأبى ذلك سلطاننا فعد قصده ومنعه ورده وكان مع شمس الدين بن المقدم وفيه نوابه فانهض قلج أرسلان عسكرا مجرا نزل على حصاره وشرع في تشعيث نواحيه وأقطاره فندب السلطان ابن أخيه تقي الدين ومعه سيف الدين على المشطوب ليتوليا إزالة رعب رعبان ويرسلا الروع على روع عسكر قلج أرسلان فنهضا وهما في ألف وكانت تلك الحشود في ألوف مجمعة فلما شاهدوا أصحابنا قد جرى بسيل خيلهم الوادي أجفلوا من عدوي تلك العداوى وزال عن رعبان رعبها وأمن سربها وعذب شربها وأرجت بأرجائها مهاب المهابة وطافت ألطاف عصمة الله الذابة بالإصابة, وكتب تقي الدين توبتها الدايلة وبنوبتها الزايلة وأنه فتح لم يحتسب ومنح من الله إلا بفضله لم يكتسب وغزو إلا إلى تأييده لم يعز ولم ينتسب ولم يزل تقي الدين بهذه النصرة المبتكر فأنه هزم بآحاد الوفا وأرغم بأعداد من الأعداء أنوفا.
فصل من كتاب سلطاني إلى مجاهد الدين قايماز بالموصل وكتب تقي الدين بإذن الله ثلاثين ألفا من عسكر المذكور بألف وكانوا ضعف وقد علم الله تعالى أنه شاء فاكسرنا من سهم المهيب ومؤاخذته على رأيه المخطي المصاب لا المصيب فإن المذكور يمشي زمانه بناموسيه ويؤسي نهاره من أشعة الإفلات من شموسه.
ذكر النزول على حصن بيت الأحزان وتيسير فتحه في أقرب زمان