قال: ولما نزلنا بالبلاد وجدنا الحر قد وفدت ناره ولفح أواره وقد وقد شهرا ناجرا والهجير غير هاجر وجاشت الجيوش وشاقت الجيوش فأشفق السلطان على رجاله من لبس الحديد ومن أوار الحر الشديد وقال: نستمهل ولا نستعجل ونقيم ولا نرحل ونسكن إلى أن تحل الحركة وتحل البركة وكفى بأهل الموصل أنهم فيه مسجونون وبما هم فيه محزونون (٢٢٢ أ) ، والغرض من التصرف في الممالك حاصل والمدد من ألطاف الله متواصل فسلكنا وهدانا واشتغلنا بما به بدأنا وكان حينئذ ماء دجلة في نقصانه ونضوب بحرها في بحرانه، فجاء من زعم أنه يمكن سد دجلة وسكرها وفق فرصة أخرى وكسرها ونقلها أو تحويلها إلى دجلة نينوى ويعطش الموصل إذا الماء عنه انزوى فضحكنا من هذا القايل وقلنا له ومالك ولهذا الرأي القايل فأصر على القول وطول في ادعاء حقيقة الطول. وكان الفقيه العالم فخر الدين أبو شجاع بن الدهان البغدادي حاضرا فجعلناه في الأمر ناظرا، وكان وحيد عصره وفيلسوف دهره ومهندس زمانه موسوس إحسانه وإنسان عين الفضل وعين إنسانه وله الحظ الوافر من جميع العلوم ولاسيما في المنثور والمنظوم والحكمة والهندسة والنجوم. وكان من عهد قديم سكن بالموصل ولما سمع بكرم السلطان تفيأ بظله وتعرف إلى فضله فركب في خدمة السلطان ووقف على المكان وشاهد ما توهموه من سدد دجلة ومأخذه وفتحها للتحويل ومنافذه. وقال هذا يمكن ولا يتعذر وصدق القائل على رأيه وآمن بأيه ولم ير خلاف مذهبه في در خلف مطلبه ثم وصل الخبر بوفاة شاه أرمن صاحب خلاط فتحول إليها العزم وترجح بها الحزم.
[ذكر شرح ذلك]
قال: ولما كان يون السبت العشرين من شهر ربيع الآخر ورد الخبر بوفاة شاه أرمن صاحب خلاط وأنه توفى يوم الخميس تاسعة وحينئذ ترددت الآراء وتنوعت الأواب واختلفت في المشورة الأمراء والأصحاب فمنهم من أشار بسلام إلى حصول المرام ومنهم من رأى المصلحة في البدار إلى تلك الديار ومنهم من قال نجمع بين الأمرين فنترك ههنا من العسكر بقدر ما يحصل به مضايقة القوم من الجانبين ويعجل بالمسير بالعسكر الباقي إلى تلك البلاد والله كفيل بالمراد. وبيتنا في هذه الأقسام الثلاثة منزوين بإرشاد الله في استخارته متقدين فلما أصبحنا وردت كتب الأولياء بالولايات بخلاط وبدليس واظهروا المماحضة والموافقة والتأنيث ثم رأينا من أمراء خلاط وقد وصل عماد الدين بابل وقال للسلطان: أدرك أوليائك وأحباءك وهذه خلاط خلا طريقها فارق إلى قبولك بالقلوب فريقها وإن أهلها بالأعاجم لم يخلصوا من المظالم فعجل بدارك وأحسن إلينا بآثار إيثارك فما زال بالسلطان يحرك همته ويحرض عزمته ويذكر حلو العرضة ويخوف من فوت الفرصة وهذه الموصل مأمونة القوات مأمولة في ساير الأوقات وهي إليك واصلة وفي اليد حاصلة فأصبح السلطان ورأيه في الرحيل راجح في الرحيل وغدا الرسول وسعبه في التأمين ناجح وأمر الأمراء بالتأهب للرحيل وعرفهم ماتصمم في عزم التدبير ثم أرسل إلى زين الدين صاحب أريل بالعود إليها وقواه بالأمير سيف الدين على بن أحمد وأمره بنصرته والمقام عليها.