وعين يوم يحضر فيه الرسول ونصوا على من يحضر في مجلس نور الدين عند اجتيابه تشريف الاحتباء وأغفاوا ذكرى قصداً منهم لاغمامي فلما حضرت الرسل طلبني نور الدين فلم يرني فنفذ ورائي واستحضرني وقام لقيام الرسل حتى حضرت وكان مقصودة أن يعرفهم منزلتي واختصاصي عنده فناولني الكتاب الشريف لأتلوه فتناوله مني الموفق بن القيسراني خالد وكان عنده في مقام الوزير وله انبساط زايد فداريته وما ماريته وتركته يقرأ وأنا أرد عليه وأرشده في التلاوة إلى مالا يهتدي إليه حتى أنهاه فأعجب نور الدين صمتي وسمتي وأجتاب الاهبة ولبس الفرجة وتقلد السيفين طوقها وخرج وركب من داخل القلعة وهو حال بما عليه من الخلعة مركوبة والآخر بحليته مجنونة وسألت عن معنى تقليد السيفين فقيل هما للشام ولمصر والجمع بين البلادين وخرج إلى ظاهر دمشق حتى انتهى إلى منتهى الميدان الأخضر ثم عاد جميل المحضر جليل المنظر لبيقاً بالأعظمين السرير والمنبر.
وكان وزن الطوق مع أكرته ألف دينار من الذهب الأحمر، وحملوا لصلاح الدين تشريفاً رايقاً رايعاً، لكن تشريف برمته إليه بمصر ليجتابه وشرف أيضاً من عنده بخلع يشرف بها أصحابه وصلت تلك الخلعة إليه فلبسها وطاف بها في الحادي والعشرين من رجب وهي أول أهبه عباسية دخلت الديار المصرية فقضى أهلها منها العجب، وكانت مع ارسل اعلام وبنود ورايات ففرقها على المساجد والجوامع والخطباء والقضاة والعلماء.
قال: وكان صلاح الدين واعد نور الدين أن يجتمعا على الكرك والشوبك ويتشاورا فييما يعود بالصلاح المشترك فخرج من القاهرة في الثاني والعشرين من المحرم فاتفق للاجتماع عايق ولم يقدر للاتفاق قدر موافق في تلك السفرة شدة وعدم خيلاً وظهراً وآب إلى القاهرة في النصف من شهر ربيع الأول.
قال: كان مع الرسول لخاصتي من الإمام رسم التشريف والأنعام وهو مائة دينار وأهبة شريفة وعمامة.
وكان لي أيضاً مع رسول الوزير عضد الدين وهو الحافظ الدمشقي آخر العجيب المائة عن مكارمه ومناقبه منبية ولما عاد الرسول في سابع عشر جمادى الآخرة سيرت إلى الوزير هذه المدحة واستزدت المنحة قلت وهي قصيدة أولها:
عسى أن تعود ليالي زرود ... ويقضى المنى بنجاز الوعود
وتشرف أيامنا الزاهرات ... ويورق في روضه الوصل عودي
(١٧٤ب) قال: ولما عاد الرسول عاد معهم شهاب الدين بن عصرون بأجوبة الكتب عن نور الدين.
قال: وكان نور الدين لا يقيم في المدينة أيام الربيع والصيف محافظة على الثغر ورعاية للبلاد وهو متشوق إلى أخبار مصر وأحواتلها فرأى اتخاذ الحمام المنسيب ةتدريجها على الطيران لتحمل إليه الكتب بأخبار البلدان وتقدم الي بكتب منشورة لأربابها وإعزاز أصحابها.
قال: وفي رجب من هذه السنة فوض إلى المدرسة التي بحضرة حمام القصر وعول علي في التدريس بها والنظر في أوقافها وكان الشيخ فيها الفغقيه ابن عبيد فلما توفي خلف ولدين واستمرا فيها على رسم الوالد ثم خدعهما رجل مغربي استهواهما بعمل الكيمياء ونهج بهما سبيل الإغواء فصاهراه وظاهراه فغاظ نور الدين المعنى وأحضرهما واستوفى عليهما أنواع التوبيخ فلم يجد من أحدهما لأمره سمع النصيح فقال لي: تسلم الموضع ورتبني فيه مدرساً وناظراً وكان ليلة الخميس وحضر القاضي كمال الدين وعلماء البلد بكرة التدريس فاستمرت الولاية وشملتني من الله الرعاية.
قال: ودخلت سنة ثمان وستين والامور سديدة والثغور مسدودة وألوية الاولياء بالنصر معقودة والظالع مسعودة والمواسم مشهودة والمواسم المحمودية محمودة.
قال: ذكر تفيض إشراف ديوانه إلى: