أذعنت لله المهيمن أذعنت ... لك أوجه الأملاك بالإذعان
سير لو أن الوحي تنزل أنزلت ... في شأنها سور في القرآن
قال: وفي هذه السنة غزا شمس الدولة تورانشاه أخو صلاح الدين بلد النوبة وفتح حصناً لهم عرف بابريم وهي بلاد عديمة الجدوى عظيمة البلوى ثم جمع السبي وعاد به إلى أسوان وفرق على أصحابه في الغنايم السودان.
[ذكر وفاة نجم الدين أيوب والد السلطان]
قال: وركب نجم الدين فشب به فرسه وذلك بالقاهرة عند باب النصر وسط ذي الحجة يوم الاثنين الثامن من ذي الحجة وعاش ثمانية أيام بعد وقوعه وتوفى في يوم الثلاثاء السابع والعشرين من ذي الحجة في الساعة الرابعة وكان ولده صلاح الدين عنه غايباً في بلاد الكرك والشوبك فدفن إلى جانب أخيه أسد الدين في بيت بالدار السلطانية ثم نقلا بعد سنتين إلى المدينة النبوية.
عاد الحديث إلى الشام قال: ودخل نور الدين دمشق وشتا بها ولما طاب الزمان تقاضاه عزمه بالحركة، وكان قصده بجانب الشمال لتسديد مااختل هناك من الأحوال ولتجديد العهد بتلك الأعمال فبدأ بمصر وشرع في أنفاذ من يستكفيه من الرجال في تقدير ما يحمل كل سنة إليه من الأموال.
[ذكر مسير الموفق خالد القيسراني إلى مصر]
قال: وكان نور الدين منذ ملكت مصر يؤثر أن يقرر له فيها مال للحمل يستعين به على تحمل كلف الجهاد والأيام تماطله والأقدار تحول بينه وبين ما يحاوله وهو ينتظر أن صلاح الدين يبتدئ من نفسه بما يريده وهو لا يستدعي منه ولا يستزيده فلما حمل من أخاير الذخاير ما حمله وعلم مجمله ومفصله تقدم إلى الموفق أن يمضي ويطالب ويقتضي. ويعمل أيضاً حيازة بالأعمال المصرية وعين له ما يحمل إليه معه من الهدايا والتحف السنايا والثياب المعلمة والخيل المسومة ورحل نر الدين على سمت البقاع وخرج خالد معه للوداع فأعاده بعد أن قرر معه ما أراده وأمره بالمقام إلى حين دخول خازنه بتسليم ما سبق ذكره من الأقسام فلما نزلنا بعين الجر تذكر ما عد به من الأمر فاستدعى ولى الدين إسماعيل متولي خزانته وشهاب الدين أبا صالح بن العجمي ناظر ديوانه فاستدعى ولي الدين إسماعيل وعدل خزانته وأمرهما بالعود إلى دمشق وتسليم ما كان عنده ليتسلمه خالد وكلاهما بعد انجاز الشغل إلى المعسكر معاود.
قال: ولما ودع الموفق (١١٧٦) خالد مستوفي المملكة النورية أراد أن يستنيب بين الإنشاء والإشراف والاستيفاء. ووجدت الخدم الثلاث بكفالتي الوفاء. ثم تعصب فخر الدين الزعفراني وكان من الأمراء الكبار لرضي الدين يعقوب رئيس سنجار وبذا في منصبي خمسة ألاف دينار فقال نور الدين: أما العماد فلا نبيع كفاة الرجال بالقناطير المقنطرة من المال وأخذ عشرة آلاف دينار وولاه منصب الاستيفاء وجلس معناً أشهراً. فكتب يوماً إلى نور الدين أنني أريد أن يكون لي في كل بلد نايب حتى أقدر الوفاء بما بذلته فقال نور الدين: كأنه يريد أن يوفيني المال من مالي وفرا يد أعمالي فصرفه ورد إلى العمل وحقق منه بتقديره إلى الأمل. قال وخرج يوماً من عند نور الدين من قال: قد أمر المولى أن كل من كان للموفق عليه رسم يوصله إلى العماد فإنه بعده بمحل الاعتماد وقد مال إلى وعول في مناصبه على وطالعته كل يوم بمرافق عملي ومنافع شغلي فما أتحف بتحفه ولا أخص من أحد بعطية إلا أطالعه بها وأطلعه على سببها فكان يعجبه مني تلك الشيمة ويقول: تصرف فيك تصرفك في مالك. وكانت مواد عنايته لي وافرة ومن وجوه رعايته سافرة ثم اعتمد عليّ اعتماداً كلياً وجعلني له نجيباً وإذا أراد أن يكتب إلى أحد منهم يقول أكتب إليه من عندك.
ومن جملة ذلك أن سعد الدين كمشتكين وكان نايبه بالموصل في خدمة سيف الدين صاحبها أخذ من رجل ألف دينار بعلة عللها فجاء وتظلم فأمر لي نور الدين أن أكتب إليه بردها عليه فقال: ما ينفعني إلا كتابه وتوقيعه فأنهيت ذلك إليه فقال ما معناه: أما يعلم كمشتكين أنك كاتبي وأميني وصاحبي ولا تكتب إلا بأمري فأخالف كتابك إليه قلعت عينيه فمضى إليه بكتابي فسارع إلى طاعته ورد عليه الألف في ساعته.
[ذكر الوصول إلى حلب والتوجه منها إلى الروم]
وفتح قلعتي مرعش وبهنسى