قال: كان من سنجار من عسكر الموصل مدة عليها يقطع دوننا الطريق ويمنع السير فأمر السلطان ابن أخيه الملك المفر تقي الدين عمر أن يمضي لحصر سنجار وقسر من جار فسار في الأسد والغاب والجيش الغضاب فنهض في بحوره وأمواجه وجموعه وأفواجه، وخفقت كواسره ورعدت قساوره وترتبت ميمنة وميسرة، وقلبا وجناحا عساكره وصبح بمنزلة بارنجان قريبا من سنجار عسكرا من الموصل إليها مجردا فأخذ خليهم وعددهم مشتت عدوهم ووكل بهم من ردهم إلى الموصل رجالة ونالوا من عثرتهم منه اقالة واحتبس عنده مقدمين محترمين مكرمين وكتب بخبرهم إلينا وقال: قد وفينا بما علينا فاغتنموا استضافة سنجار فإنها غعنيمة وخير ما تصمم له عزيمة فرحلنا ومعنا رسل دار الخلافة ومطالع المطالب مؤنة بالانابة والأناقة ولاح سنا سنجار بعد ليال ونزلنا على عيونها، وطرقتها الخيل طروق خيال واقتسمنا المنازل حواليها وولينا الوجوه إليها.
وفيها شرف الدين أخو صاحب الموصل فاحتمى منها بالمعقل، وكان معنا نور الدين بن قرا رسلان صاحب حصن كيفا فأنزلناه في أنزه الرياض وأنضرها وأرج البساتين وأعمرها فأذن نزولهم بنزولها والحاق معالمها بمجاهلها فقطعوا أشجار ووصلوا أشجانا ورموا جدرانا وخروا عمرانا.
فصل من كتاب أنشأته إلى الديوان العزيز عن السلطا وقد ترك الموص في العاجل اكراما للشفاعة والتزاما للتباعة واشتغل بسنجار لينظمها في السلك ويضمها إلى بلاده الداخلة في منشور الولاية.
ومنه: ومن جملة نعم الله التي نحمده على اتمامها وصول المبشر اليمن بفتح زبيد وأن حطان ابق اباق العبيد وأن الكلمة فيها قد اتحدت القلوب قد اتفقت. وكان الخادم قد جهز إليها جيشا من مصر لتمهيد أمرها وإخراج من خرج بها منها فجرى الأمر على وفق المراد وانتظم في سلك السداد.
ومن جملة البشاير الواصلة من مصر عود الأسطول المنصور نوبة ثانية إليها كاسبا غانما غالبا بعد نكايته في أهل الجزاير بالخساير وبعد أخراب ما وجده فيها من الأعمار والعماير ومن جملة ما ظفر بطشه كبيرة من مراكب الفرنج تحمل أخشابا منجورة إلى عكا ومعها نجارون ليبتنوا منها سواري فأسر النجارون ومن معهم وهم نيف وسبعون وأما (٢٠٩أ) الأخشاب فقد انتفع بها المجاهدون وكفى شرها المؤمنون وللخادم عسكر في المغرب قد بلغ أقصى افريقية فتوجه وعادوا به بهاء الدين في تلك البلاد روجه.
قال: ولما أنخنا على سنجار واستفتحن الاستفتاح بالرسايل وقريبا من السور من يكلمهم فكلموه وأفهمناهم الرشد فما فهموه وناظروا بالسنة النصال ونظروا بأعين المصال فقدم المنجنيق وهدهم النيق الوثيق وأغرينا النقابين برفع نقاب السور وهتك حجابه المستور. ودخل رمضان فقلنا شهر مبارك وبر متدارك ففترنا ونحن في زي الإرهاب وسكنا مظهرين التحرك للإرعاب فطال عليهم الأمد وضاق بهم الجلد، وتمادت المدد فسكنوا إلى السكون وركنوا إلى الركون فجاءنا ليلة من أخبرنا بأن الحراس نيام فندب إليهم منا أنداب نجازهم ونجادهم وضبطوهم وربطوهم وأنقضوا عليهم انقضاض البزاة على القنص، واغتنموا في قبضهم انتهاز الفرص، وهم من المقدمين وأعلام المعلمين فأصبح الذي بسنجار بادي الغنكسار قد عرف العقبى واعترف بالعتبى وأحسن في التقاضي وأقتضى الحسنى وأجيبت دعوته ورعيت أذمته وسيرت إليه هدايا وتحف وزلف لكونه من الأولاد الاتابكيه، وشرف أصحابه وخرج عن العطاء الحساب بحسابه وخرج من سنجار بكوسه وعلمه وحشره وحشمه وعبيده وخدمه وأخلى لنا المدينة فأسكناها السكينة، وخرج إلينا أعيانها وحسن بنا ظهورها وظهر إحسانها أفراح رعاياها فرحين برعايتنا منتصفين من الليالي بأيامنا مستسعفين ألاء أنعامنا. وما أسرع ما أعدنا عمارتها واستجلينا بالمباهى مباهجها وأخلينا من المناهى مناهجها وألفينا رياستها لصدورها بنى يعقوب فأتيناهم من كرامتهم سؤلهم المحبوب المخطوب. وعول السلطان في قضائها على نظام الدين نصر بن المظفر فإنه كان أعرفهم بحكم الشرع المطهر.