فلم يفارق الملك العزيز أباه واستصحبه إلى مصر في سنة اثنتين وسبعين ثم عاد به إلى الشام في سنة ثلاث وسبعين. قال وقال السلطان عند قرب رحيله من مصر: اطلب لولدي هذا معلما يصحبه ويتسنى به تأدبة وتهذبة وكان نجم الدين يوسف بن الحسين بن المجاور إلى متوددا ولشكوى الزمان معددا ويحب الفضل إلى أهله مترددا إليه ودللت عليه ورغبته في الصحبة، وأخذت له مركبا ونفقة، وجاءت أسبابه موافقة موفقة فتولى الصفي بن القابض وأكن متولي الخزانة والديوان والأعمال بدمشق. أسباب ختان الملك العزيز: ولقد كان عالي الهمم من أهل التمييز فوسع الإنفاق وصاغ النحوت والأطواق وأطلق الأموال ونمق الأحوال وأول من وجد بركة هذا الطهر المبارك المؤدب فقد سعد نجمه وصح شيمه ووضح غيمه وتحلى في اللباس الذهبي باللباس الأدبي والمركب النضاري والمركوب العربي وزين المزيون وأعيدت عليهم الخلع السنية وبالسناء أعيدوا وخلع السلطان علينا في المخيم تشريفا لأحوالنا مناسبا وأمسى كل منا لذيل الاعتزاز مصاحبا ومن جملة ما حباني به حجرة عربية وعدة لها ذهبية وعز الملك العزيز في ختام ختانة وعم الفضل والحسنى بأفضاله وإحسانه.
قال: وفي هذه السنة خرجنا إلى بعلبك لتسلمها إلى عز الدين فرخشاه ابن أخي السلطان وكانت الشتوة صعبة، وكان طريقنا على الرواد يف وهي عقاب يتلوها عقاب وطرقها صعاب وفي ذي القعدة من هذه السنة جمع غز الدين فرخشاه من رجال بانياس وماحولها من الأعمال من جرب عادته وجترات عدته فصبح صفد صباح الأربعاء ثامن عشر الشهر فسبى وسلب وعنم وعلب واحرق ما شاء الله وأخرب ومر مر السحاب وعاد بالسبايا والنهاب وأبت عناية الله نصر النصارى وإسلام الإسلام، وشق بالإصباح سراير الإظلام. قال وفي العشر الأخير من شوال من هذه السنة خرج الأجل الفاضل من دمشق إلى الحج وعاد إلى مصر وكان عام أول سنة أربع وسبعين حج من مصر على البحر وجاء الشام.
[ذكر وفاة الإمام المستضيء وخلافة الإمام الناصر رضي الله عنهما]
قال: وقي هذه السنة وهي سنة خمس وسبعين توفي الإمام المستضيء بأمر الله فأظلمت الأضواء وبويع لولده الإمام الناصر فأضاءت الظلماء، وكانت البيعة صبيحة ليلة الوفاة وذلك مستهل ذي القعدة فأقرت القواعد وأمرت المعاقد وقد حضر الحجيج من المشرقين وامتلأ بالملويين، وتولى عقد البيعة المباركة ظهير الدين بن العطار ولاح بشره وفاح نشره وظن انه قد تم أمره وعرته مرضه أقعدته وعادية عدوى فأعدته وانتقل إلى جوار الحمة التي إعمال الخير بها وعدته وتمكن من الأمر في الخلافة الناصرية مجد الدين بن الصاحب وكان رسولنا ضياء الدين الشهرزوري حاضرا فحضر وبايع وأخبر بحلية الحال وطالع وبادر السلطان إلى الخطبة في جميع البلاد واهتزت بالسمة الشريفة أعطاف الأعواد ومضى صدر الدين شيخ الشيوخ عبد الحليم بن إسماعيل من بغداد إلى بهلوان رسولا وألزمه حتى خطب بهمدان وأصفهان وعمت الدعوة الهادية بلاد خراسان ثم لما رجع شيخ الشيوخ جاء إلينا رسولا في سنة ست وسبعين وأخذه السلطان معه إلى مصر وحج منها وركب البحر وأنعم مولانا الناصر لدين الله أمير المؤمنين (٢٠٠ب) بإجراء رسمي وإدراري وهز أعطاف فخارى, ومدايحي في أمير المؤمنين قد سارت في آفاق الإشراق أنارت ومن جملتها كلمة سيرتها سنة فتح القدس ومنها:
ورثت من سلفي رقى لطاعته ... وذلك الرق للأسلاف أحساب
ما كان لولا الرضا والسخط منه ... لنا خصب ومحل وأحداء وأحداب
قد قلت لولا التقى ما غير صارمه ... للعمر والرزق مناع ووهاب
معمد بعمود الصبح بينهم ... له من الشهب أوقاد وأطناب
أبشر بفتح أمير المؤمنين أنني ... وصيته في جميع الأرض جواب
ما كان يخطر في بال تصوره ... واستصعب الفتح لما أغلق الباب
وحام عنه الملوك الأقدمون وقد ... مضت على الناس أحقاب وأحقاب
نصر أعاد صلاح الدين رونقه ... إيجازه مبلغ في القول إسهاب
نفى من القدس صلبانا كما نفيت ... من بيت مكة أزلام وأنصاب
[قال ودخلت سنة ست وسبعين]
وفي هذه السنة توجه السلطان إلى بلد الروم وبلد الأرمن.
ذكر السبب في ذلك