للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والعسكر السلطاني للنصر في حصر آمد آمل والشمل جامع والجمع شامل فصبحناهم بالسلالم وطمعنا منهم في التسلي من البلد بالتسليم، وصعد فيها الرجال وحالت في قلوب الخصوم الاوجال، وملك أصحابنا بين الورين قطعة من الفصيل وتعمدوا عقد بنائها بالتحليل، وتطرقوا فيها فإذا هي مسدودة السبيل فشرعوا في النقب وابن نيسان في البلد قد جمع الرجال وفرق الأحوال وحرض الكماة وحض الكماة وانهض الحماه وظن أننا نكل ونمل وكلما شددنا العقد ينحل فألفوا كل يوم جدنا جديدا ووجدوا من بأسنا عليهم مزيدا، وكتب في إعداد من النشاب فصولا للارغاب والإرهاب نعدهم تارة ونتوعدهم ونهديهم مرة ونهددهم ففترت عنه مساعدة الاستطالة وشرعوا معه في الاستقامة فبدا له وجد الخذلان وخيانة الأخوان أهل المدينة وحصلوا منا على الوثوق والسكينة (١٢١٢) وقد كانوا تضجروا بولاية ابن نيسان، وعدموا العدل وألفوا العدوان فتقاعدوا عن الاستطالة وشرعوا معه في الاستقالة فبدى له وجد الخزلان وخيانة الإخوان وخطاب الخطوب وحدث الحدثان. فعرف أن سلامته في السلم فأرسل في الاستعطاف والاستسعاف قبل طلب الأمان واصبحنا بعض الأيام مواضع النقب نخشى عليها من الانهدام، والعمل منتهى إلى التمام إذ خرج نسوة من المدينة ذوات جاه وقدر قد أخرجنا فأخرجنا من أعز خدر لا عهد لأقمارهن بالتبرج من البروج ولم يحوجهن إلا صرف الزمان الجافي إلى الخروج فارتدينا على الإضراب برداء الأضرار وطلعنا سحرة طلوع كواكب الأسحار معتمرات إلى حرم الكرم الفاضلة معتفيات نصرة العفو الناصري مستشفعات بشفيع كريم لا ترد شفا عته بل تراد لطاعة الله طاعته فآواهن إلى فناء خيمته وعرف السلطان أن القصد لحرم حرمته وان المعتصمات بعزة عزة وعصمته وإنهن نسوة الأمير والرئيس يسألن ما خربهن بالتنفيس فأكرمن واحترمن وشفعن فيما له شفعن وأعطينا الأمان على أنهم إن قاموا توفرت عليهم الأملاك والأموال وأن تحولوا سهل عليهم الانتقال ولم يسألن في البلد لعلمهن أنه لا يخلى وإنما سألن إلا أن تسلم المدينة إلا أن يفرغ من نفايس أعلاقهم وتخلى فأعطين الأمان على أنهم يخرجون بكل ما يقدرون عليه مدة ثلاثة أيام بلياليهن وأن نعينهم بدوابنا وأصحابنا على أخراج جميع ما لهم فيها وعدنا بما وعدنا وما سعدنا كيف ما أسعدن وأن قربن أبعدن وأن شفعن في استتبات أمورهن فقد رجعن بخراب معمور هن وهذه عادة الليالي العادية، وقضية الأقدار القاضية في إرخاء الطول وانقضاء الدول وإيقاظ النواظر بشوك أقذايها وإيقاظ النوظر بشوك أزوائها.

قال: ولما استقر تسليم المدينة بعد ثلاثة أيام تقدم السلطان برد النساء بإكرام واحترام فنفذ ابن نيسان يخبر بأن غلمانه خرجوا عن طاعته وانه لا يقدر على نقل ما له أن وكل إلى مجرد استطاعته فندب له من خواصه من يراعي بإعانته أحواله ودواب من إسطبلاته تنقل أمواله ونزل في غير منزل وضربت له خيمة بممعزل فشرع بنقل درهمه وديناره ويحول إليها من كلا الجنسين أوقاره ويعجل منها ما خف حمله وخيف عليه إذا لم يعجل نقله، ونقل المسوغات النضارية والفضية والمنسوجات الذهبية والجواهر والفرايد. والعقود والقلايد ولم يقدر في المدة المضروبة إلا على تحويل الأمتعة الكريمة المحبوبة، وكم نشبت الطوارق في طرقه بنشبه وكم ذهبت أعوانه في مذاهبه بذهبه، وكان من أصحابه جماعه ندبو لإعانته فاستغنوا بما أصابه وذكر أنه كان يحمل من داره عشرة أحمال بأثقال الأموال فربما وصلت إليه من تلك العشرة ثمانية فيسأل عن الباقي فيقال دوابها وافية وهي في الوصول متدانية، وما تزال تدخل جملة في جملة وقد عبثت بها أيدي جانية وهو لما به من روع وكره بغير طوع يحصر لدى التكلم ويقصر عن التظلم فلما انقضى الأجل خامرة الوجل واعترف بأنه عن نقل ذخايره عاجز وأن غدر الزمان بينه وبين ما غادره حاجز فتركها من غير أن فركها وفاته دركها وما أدركها ولو استزداد مهلة لاستفاد نيلة لكنه هاب وارتاع وارتاب وفي مظنة الرجاء خاب وعلى مطية التجاء نجى وغاب ولو رشد لنشد ضارته في ظل السلطان وأوى إحسابه إلى مأوى الإحسان لكنه بعد فبعد ولو أسعده لسعد.

ذكر تسليم مدينة أمد إلى نور الدين محمد بن قرار أرسلان

<<  <   >  >>