وقفت على كتابه الذي توالت فيه سجعا الصاد ولسيدنا فخر كل من ينطق بها كما قال أبو الطيب وتناسقت محاسنها تناسق قطرات السحاب الصيب وهو يتناول الألفاظ والمعاني من مكان قريب وإن مد باعه فمن سحاب وإن اغترف فمن قلب والله لا يخلي الأنفس من أنفاسه المستطابة والدولة من آرائه المستصابة. أخرى سلام له من صاحب وأهلاً بكتابه ومتى نقول أهلاً بالكاتب وفداه من يعرفه وإن أبوا فأنا والطالب الغالب وسبحان من خصه بمعجزة بنوته فسيح القلم بين أصابعه وتفجرت الحم من ينابعه وجعله إماماً ومن الذي لا يفخر بأن توسم تتابعه.
أخرى: أدام الله توفيقه والتوفيق به وصرف عنه كل مكروه من صروف الدهر ونوبه ولا أخلى المملكة من كريم مرتبته وشريف منصبه ولا زالت مسرات الخلق مضمونة على رسله وكتبه وعين الله كالية له في منصرفه ومنقلبه.
أخرى: أحظى الكتب أدام الله سعادة الحضرة العاليةوأحضر التوفيق لمقاصدها وأعلن اللسان على فروض محامدها والقلب على شجون تباعده وأجراها على جميل عوايده لديها كما يجري الأصدقاء على أحسن عوايدها وفسح في مدتها ومدة محييها حتى تستدركوا فوايت فوايدها عند عبدها وأدعها إلى تملك رق الحر من شكره وأولى المطلة فإن تحت المحظور من نشعره سكره ما كان قريب العهد بمواطر خواطرها مذكراً بأيام الربيع من لقائها التي فيها ذكرى لذواكرها فلذلك لا يقرأ منها حرفاً إلا قرأناه من الثقيل ولا يبين منه صدرا إلا قال أن من البيان لسحرا وهي أدام الله نعمتها إذا أرسلت نسها على السجية أتت بالمطبوع التي تقصر عنه الطباع ف إذا جاءت بالأمور المهمة أتت بالمصنوع الذي يملأ الأسماع فلها الفضلان مسترسلة ومختزلة والصوابان مرية ومرتجلة والأحسانان متأنية ومستعجلة كيف ما شاءت جاءت وكيف ما أرادت وفي أي حلة برزت قال رحمه الله.
[ودخلت سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة]
وهي السنة الحسنة المحسنة والزمان الذي تقضت على انتظار إحسانه الأزمنة وطهر فيه المكان المقدس الذي سلمت بسلامة الأمكنة وخلصت بمنحة الله من المحنة الأرض المقدسة الممتحنة ونصرت الدولة الناصرية وخذلت الملة النصرانية وتميز الطيب من الخبيث وانتقم التوحيد من التثليث وشاع في الدنيا بمحاسن الأيام الصلاحية حسن الأحاديث.
(٢٣٠ب) قال: وقد وصفت في الكتاب المرسوم بالفتح القدسي الأحوال ووسعت ووشعت الأقوال وحليت التوح وأثببت الشروح وأنا أورد في الكتاب مما أوردته جملته الجميلة الجليلة.
[ذكر مقدمة لذلك مباركة]
قال: كان السلطان قدم الكتب لاستقدام الكتايب وقرب جانبه لأجانب والأقارب وواصل الموصل وسنجار ونصيبين وآمد وديار بكر من البر بالإمداد بعد الإمداد واستدعى لذلك ممالك الشام من الأطراف والأوساط وأمرهم بالاحتياط وبرز من دمشق يوم السبت أول المحرم في العسكر العرمرم والعزم المصمم ومضى بأهل الجنة لجهاد أهل جهنم فلما وصل إلى رأس الماء وجعلها محط مضارب سرادقه ومجرى صوانعه ومجرى سوابقه وأمر ولده الملك الأفضل نور الدين عليا بالإقامة هناك ليستدنى إليه الأمراء الواصلين والأملاك وسار السلطان إلى بصرى وخيم على قصر السلامة وقد استقبل من الله الكرامة والاستقامة.