قال: وكتبت إلى سيدنا الأجل الفاضل عند الرجوع من وداعه وكان رحيله من الكرك في منتصف شعبان: رجع المملوك من الوداع وداعي الأسى يحفزه وعاد الأسف يزعجه ويعجزه فعدم الشمس التي تفيض عليه والظل الذي يفيء إليه. لا مجيب لاستدعائه ولا مجير لاستعدائه ولا قابل له ولا قايل به ولا منفق لنقده ولا موثق لعقده ولا مروج لرجائه وظل كضالة لا ينشد وكالضال لا يرشد وكالفقيد لا يفتقد وكالزيف لا ينتقد وكيف حال من حالت كيفيته أياسه بأسوة أم نيته أمنيته ياليت المولى قبله صاحبا لركابه وراكبا في صحبه متلاشيا في أشعة آلائه متعاشيا في سابغ لألايه وضيعا مع الشرفاء ثقيلا مع الظرفاء سقيما مع الأصحاء هجينا مع الصرحاء والعقد الثمين ربما أنتظمت فيه لصرف العين الخرزة وسدت بالخرزة ثلمتها المعوزة على أنه إذا أقامه في كنف الرعاية مرعى الكنف غبطة السايرون وتحاماه الضايرون ولم يثر إليه الثايرون ولا غنى بالملوك في كل وقت لاستزادة محقه واستزالة مقته عن تجديد جاهه وتوجيه جده واسعاد رجائه وإجراء سعده فالفارس يستثمر بالتربية غرسه ولا يضيع المملوك الذي ملك رقه بإحسان عشر سنين " إن الله لا يضيع أحر المحسنين ".
[ذكر الرحيل إلى الشام]
ولما رأينا أمر الكرك يطول، ودافعنا عن حقه القدر المطول جهز السلطان العسكر المصري في الخدمة التقوية التي بالصحبة الفاضلية يقويها ومن آرائها في كل ما ينادي له تلبيتها وتربيتها وانصرف بعسكر الشام عايدا إلى دمشق عود الحيا الهاطل إلى الثرى الماحل، وألقينا بها العصا واجرينا ذكر من أطاع وعصى، وعدنا من فرض الجهاد إلى فرض الصيام إ ووقع الشروع في إراحة العساكر عند استقبال العام واستيناف الجمع لنصرة الإسلام وتولى الملك العادل سيف الدين أخو السلطان حلب وقلعتها وجميع أعمالها وجميع قلاعها، ومدينة منبج ومعاقلها وصار إليها وتسلط بها سلطانه وتمكن منها مكانه، وتحكمت ولايته وتولتها أحكامه، ونفذنا أوامره في أمورها نقضه وإبرامه ودرت على مراده أخلاقها بوضوح مذهبه في الزفاق خلافها وانصرف نواب السلطان إلى دمشق في خدمة الملك الظاهر ظاهرين بصفو الموارد والمصادر.
(٢١٦ أ) ذكر وصول شيخ الشيوخ وشهاب الدين بشير في الرسالة الشريفة الأمامية ووصول محي الدين الشهرزوري معهما رسولا من الموصل
قال: ولما استقر بنا في دمشق المقام وتم الصيام جاء من رافد نعم الله التمام ووصلت رسل امير المؤمنين عليه السلام فوفيناهم في الاستقبال كل حق وذكرنا من الإسراع إلى الاستسعاد بهم كل سبق.
ولقي السلطان الرسل فنزل ونزلوا وأقبل عليهم وأقبلوا ثم قدم لهم المراكب التي أعدت لهم فركبوا وسايرهم السلطان واصطحبوا ونزل شيخ الشيوخ بالرباط على المنبع ونزل القاضي محي الدين بن كمال الدين الشهرزوري في جوسق بستان الخلخال ونزل شهاب الدين بشير جوسق صاحب بصرى على الميدان.
قال: وكان بيني وبين شيخ الشيوخ قرابة قريبة فإنه اتصل إلى ابنة عمي عز الدين أبي نصر أحمد بن حامد وقد كانت عقيلة بيت السؤدد، وكان مز راء الزمان وعظماء دولة السلطان يخطبونها رغية في طيب النجار ونزاهة العنصر واتفق حضور هما بالكعبة المعظمة في سنة خمس وأربعين وتكررت منه الخطبة وصحت الرغبة فأجيب لدينه وأصله وتقواه وفضله وبارك الله منها في ذريته ونسله، وكان له منها أولاد نجباء أستأثر الله بهم في ريعان شبابهم وبقي الذي اصطحبه في هذه الرسالة وكان منعوتا مكنى مسمى بما كان لجده العزيز أبي نصر أحمد فمرض في الطريق واصطحبه معه في محفه فوصل ونفسه رهينة بنفس وقد جاء الأجل وذهب الأمل وانقضى العمر وقضى الأمر.
وجلس ثاني يوم وصوله للعزاء وحضر السلطان وجماعة الأمراء وصلى عليه ودفن بالمقبرة بمحاذية الرباط وبردت حرارة الرسالة وشغلت حادثته عن محادثته حتى انقضت ثلاثة أيام موسم التعزية ولم يقدر على التسليم والتسلية.