وأما جبيل فإن صاحبها أود كان في جملة من نقل الملك الأسير إلى دمشق فتحدث مع الصفي القابض في أمره وباح إليه بسره وقال له: ما لكم في أسري فائدة ولا غنيمة على فتح جبيل زايدة وأنا أسلمها بشرط سلامتي فأنهى الصفي حاله فاستصيب ما قاله فأمر بإحضاره في قيده والاحتراز من كيده فوصل به ونحن على بيروت فطلبنا منه الشرط الموعود والأجل الموقوت فسلم جبيل وسلم وربح لخاتمه وغنم ومضى إليها من تولاها وتبعها فتح بيروت وتلاها وانتظمت هذه البلاد المتناسقة بالساحل في سلك للفتوح متسق وأمرها من الاستقامة في متفق.
[ذكر ما تجدد في صور من خروج القومص منها]
ووصول المركيس إليها قال: وما شك القومص أن السلطان إذا عاد لا يتعدى صور وأنه يجمع عليها العسكر المنصور فأخذ بالحزم ومضي إلى طرابلس ولم يلبث قليلاً (٢٣٤ب) حتى هلك وبتوا من أسفل السافلين في النار الدرك ولما كان من مراد الله بقاء صور وصل إلينا المركيس وهو الذي أغاث الشرك وكان من خبره أنه وصل إلى الساحل هذا العام لفتح بلادها فأربى على عكا مركبه ثم صوت نحوها مذهبه ثم رأى فيها غير الذي بالمعتاد فحداه الارتياب بالارتياع إلى الارتياد فاستخبر فأخبر بالحال فشرع في التخلص والاحتيال وكانت الريح راكدة فنادى من متولي هذا البلد فقيل: الملك الأفضل فقال: هاتوا لي خطة واكتبوا في الأمان شرطة فما زال يرد الرسل حتى طابت الريح فأقلع وطار بجناح شراعه وفات إدراك من يخرج لإتباعه ومضى إليها وقد خرج منها القومص وقد لاح منها الفرص فأقام فيها وهو على تحصينها يحرص ولما عبر السلطان لم يسنح عليها ولم يصح إليها وقال: فتح بيت الله المقدس أنعم ونفعه أتم وأعم وهذه صور ربما طال حصارها واستطال أنصارها والأصواب الأصلح الاشتغال بما هو أنجح وأنجح وكان من قضاء الله تعالى بقاء صور فإنها ضمت من الكفر الجمهور وجمعت الحسود والحسور وما فتحنا بلداً إلا وانتقل أهلها بالأمان إليها ونزلوا حواليها ومجاورتها في هذه النوبة أعادت أرماقها وأرخت خناقها وحفر المركيس لها خنادق أحدثها وغور أعماقها وآوى إليها الواصلون من البحر وملأت آفاقها وكانت لما عبرنا بها على ما حكي أمرها سهلاً ولكن ما لمراد الله مرد وليس مما قضاه الله وقدره بد.
[ذكر فتح عسقلان والنزول عليها والاجتماع بالملك]
العادل والاتفاق على فتحها قال: كان السلطان على الاجتماع بالملك العادل حريصاً ويرى لمدلولات الآراء بما يشير به وينص عليه تخصيصاً وقد وصل كتابه يستحثه على انتهاز الفرص في فتح بيت المقدس وقصده والاشتغال بما عداه من بعده فإن أوقات الإمكان مغتنمة وأنفاس الأسحار للارتياح باستنشاقها متنسمة.