قال: وما زلت أبحث عن ذلك حتى حدثني الأمير عبد العزيز بن شدد بن تميم ابن باديس وهو ممن يتولى الأفضال الفاضى من دونه التنفيس ولم يزل له بحاضرته ومحاورته الأنيس وهو من البيت الكبير وكان جده صاحب أفريقية والقيروان وكانوا يتوارثون ملكه إلى قريب من هذا الزمان ذكر أن الأجل الفاضل حدثه بما حدث من مرض السلطان وأنه لما عاد إلى دمشق من حران عد المرضة وذلك في سنة اثنين وثمانين وهو في عقابيل سقمه لا يفارق الأنين وأشفى ذات يوم على الخطر واستسلم للقدر وحضره في يوم الجمعة وهو يوصيه وهو في تفطر أنفاسه المعدودة وترقب قلوص ظلال عمره الممدودة وقد قنط من الحياة وفاته أمكان من الوفاة فقال فأردت أن اشغله عن الوهم والهم وقلت ما معناه قد أيقظك الله وما يعيذك من هذا السوء سواه فانذر أنك إذا أبللت هذا المرض تقوم بكل ما لله من المفترض وأنك لا تقاتل مع المسلمين أحدا أبدا وتكون في جهاد أعداء الله مجتهدا وأنك إذا نصرك الله في المعترك وظفرت باقومص وابرنس الكرك تتقرب إلى الله تعالى باراقة دمهما وأعطاه يده على هذا النذر وأنجاه الله وفريضته وجرى من مقدمات الجهاد ما جرى وخيم السلطان في جموع الإسلام يعشترا وركب يوما في عسكره وأموج بحره وأفواه معشره وقد التقا الطلعة المباركة من الأجل الفاضل فقال ليكن نذرك على ذكرك وستزد نعمة الله بمزيد شكرك ولا تخطر غير قمع الكفر بكفرك فما أنقذك الله من تلك الورطة ونعشك من تلك السقطة إلا لتوفر حظك من هذه الغبطة فتوكل على الله عازما وجاز الأردن حازما وأرعب جأش الكفر وفل جيوشه وثل عروشه ووقع في الشرك ابرنس الكرك فوفى بضرب عنقه نذره وأما القومص فإنه أخذ في الملتقى بالهزيمة حذره ولما وصل إلى طرابلس أخافه في مأمنه القدر وسلمه مالك إلى سقر.