قال زين الدين هذا من أهل دمشق ومن ساكني مصر ذو لهجة في الوعظ صحيحة وبهجة في الفضل صبيحة وقبول من القلوب وفصول في فصل الخطاب الخطوب، وكان السلطان يستشيره ويروقه تدبيره ويتيمن بندبه واستحبائه ويمده بميراته ويوده بمكرماته. ووصل في هذه السنة منه كتاب إلى السلطان يتضمن برح لوافح الأشواق وشرح فوادح الفراق ويشوق إلى مصر ونيلها ونعيمها وسلسبيلها ودار ملكها ومدار فلكها وملتقى البحرين ومرتقى الهرمين وريفها الريف وصيفها الخريف وأن شتاءها ربيع وشتاتها في الفضل جميع وذكر في كتابه ما دل به على فضيلة تلك الديار من الآيات والأخبار فكتبت إليه في جوابه عن السلطان بتفضيل دمشق على مصر: وردت مكاتبة الشيخ الإمام زين الدين أطال الله تعالى على ما تضمنه من النعم المستمرة والمواهب المستقرة المستدرة وعرفنا طيب الديار المصرية ورقة هوائها وترفرف آلايها وضحك أرضها من بكاء سمائها وبعد شهادة زين الدين بزينة مشهدها واجتلاء العيون برسمها مقام أثمدها قد حكمنا بفضلها وفضيلتها وحفظ وسيلتها وصدق محلتها ونحن نسلم له المثلة في طيبها وتوفر نصيبها ورقة نسيمها ورايق تسببها لكن لا ريب أن الشام أفضل وأن أجر ساكنه أجزل وأن الزلال البارد به أعل وأنهل فإن الهواء في صيفه وشتائه وأن الجمال فيه أكمل وأن الجمال فيه أجمل ودمشق حديقته الناضرة ومنه: لا سيما وقد تمسكنا بالآية والسنة والإجماع وغنيناً بهذه الأدلة عن الاختراع والابتداع أما قسم الله بدمشق في قوله " والتين والزيتون " والقسم من الله بها أدل دليل على فضلها المصون أما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرة الله من أرضه يسوق إليها خيرة من عباده وهذا أوضح برهان على أنه خير بلاده. أما الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على اختيار السكن بالشام. أما فتح دمشق بيكر الإسلام وما ينكر أن الله ذكر مصر وسماها أرضا فما الذكر والتسمية في فضيلة القسم ولا الأخبار عنها دليلا على الكرم وإنما اكتسب الفضيلة من الشام بنقل يوسف الصديق إليها عليه أفضل السلام ثم المقام بالشام أقرب للرباط وأوجب للنشاط وأين قطوب القطب من سنا ينير وأين ذرى منف المشرف من ذروة الشرف المنيف المنير وأين الهرم الهرم من الحرم المحترم وبينهما فرق ما بين الفرق والقدم وهل النيل مع طول نيله وطول ذيله واستطالة سيله برد بردا في نقع الغليل وما لذلك الكثير طلاوة هذا القليل وسبيل هذا السلسبيل ونحن ما نجفوا الوطن كما جفاه ولا نأبى فضله كما أباه وحب الأوطان من الإيمان ومع هذا ما ننكر أن مصر إقليم عظيم الشأن وان مغلها كثير وأن ماءها نمير وان ساكنها ملك وأمير ولكن نقول كما قال المجلس السامي الأجلي الفاضلي أسماه الله أن دمشق يصلح أن يكون بستان لمصر ولا شك أن أحسن ما في البلاد البستان وزين الدين وفقه الله قد تعرض للشام فلم يرضى أن يكون المساوى حتى شرع وعد المساوى ولعله يرجع إلى الحق إن شاء الله تعالى. قال: وذكرت بما أنشأته في تفضيل دمشق كتابا كريما أصدره مولانا الفاضل إلى السلطان يشوقه إلى مصر وأولاده بها ويصف طيبها وذلك في سنة أربع وسبعين وهو (٢١٩ أ) أدام الله سلطان مولانا الملك الناصر وأعلى ولائه في صدور الأولياء ومكن أسنته من ظهور الأعداء ولا عدمت السنة منه أمداد التعماء ولا زالت بادية لعين صوابه وجوه الآراء باسمة إلى قلوب رجال رجائه أسارير السراء المملوك يقبل الأرض وينبئ أنه وردت المكاتبات الكريمة والتشريفات البارة والشروح الشارحة المسار السارة وتسلم منها حصته التي لا تتبع حظه فيه بملء الأرض ذهبا ولا تأخرت عنه أسار خلقها بنفسه طلبا وجمع بين خطاب المولى وسمعه وخطه وقلبه طامعا أن يجمع الله بين عينيه ووجهه وذلك يوم يكون فيه كما قيل:
رفعت عن الدنيا المنى غير حبها ... فما أسأل الدنيا ولا استزيدها
أو مما قال قيس: متى بات هذا الموت لا يلف حاجة ... وقيل الإجابة عند الفضول
فبشر بما جرت العادة به لا قطع الله تلك العادة من سلامة وصحة وعافية شملت أولاد السادة أطاب الله الخير إليهم عن المولى وإلى المولى عنهم وعجل لقاءه بهم ولقاءهم له فإنه من يلق منهم فلك دستة برجه وفارس مهده سرجه فمن الذي لا يصلح له منه السرح:
فهل لدى منهم ما محالة الميدان ... والدرج تبين فيهم ميسم المجد