قال: واقترحنا على القاضي أن يفرجنا في الأهرام فأضاء وجه بشره لهذا المرام. وكانت له جزيرة الذهب في طريقها فعبر بنا إليها وتحمل من الكلف ما هو غير مطيقها فبتنا فيها ومعنا فلك ومراكب, وملك ومواكب وشداة وحداة وولاة وحماة, وقصدت تلك الليلة لطيبها, وأخذ كل نفس بمصيبها. وبكرنا وسيف الصباح قد شق برد الظلماء وابن ذكا قد جلا وجه السماء, وقدمنا المراكب وعدينا الجنايب فلما انتهى العبر وانقضى الصبر جزنا بالجيزة فرأينا أرضا رضية وبقعة فضية فيها قوم قعود في حلق متطلسون وبزى فقهائنا في العراق والشام متلبسون فظننتهم طلبة علم يدرسون فلما أحسوا بنا طاروا وصاروا إلى حيث صاروا وقيل لهم شاربوا المزر وحاقبوا الوزر فقلت لهم ما بال كل منهم بطرحة فقالوا هذا زي هذه البلاد ولا لوم على العرف المعتاد.
ثم مضينا ودفعنا إلى المخاض وارتفاع بعد انخفاض فخاضت بغلة القاضي وعثرت وتوحلت (١٨٧ أ) والقلوب لاجلة توجعت وتوجلت فخرج سالما ولتطييب أنفسنا باسما فاستأنفنا قصد الأهرام وقد سبقنا إليها غلماننا بالخيام فنزلنا ودرنا حول الهرمين وطاف عليها القاضي من حسن خلقه وحسن تخلقه بكرمين. وكان معنا القاضي شمس الدين أبو فلان فما منا إلا من هو زهير وقد ظفر بهرمين وشب لنا هناك المكان والزمان وطالما كانا في تلك الرمال هرمين (وقد ظفر بهرمين) ودرنا في تلك البراري والرمال والصحاري, وهالنا أبو الهول, وضاق في وصفه مجال القول. ورأينا العجائب وروينا الغرايب واستصغرنا في جنب الهرمين كل ما استعظمناه. وتداولنا الحديث في الهرم ومن بناه فكل يأتي في وصفه بما نقله وعقله واجتهد في الصعود إليه فلم يوجد منهم من يوقله وحارت العقول في عقوده, والأفكار في توهم حدوده ولما أتممنا الفرجة عزمنا العودة وما أرفق تلك الشيمة وأهنأ وأسنى تلك الصنيعة النصيعة.
[ذكر بناء السور على القاهرة ومصر]
قال: ولما ملك السلطان مصر وأتاه الله على الأعداء بها النصر رأى أن مصر والقاهرة لكل واحدة منهما سور لا يمنعها, ولا قوة لأهلها تحميها وتردها وقال: ولو أفردت كل واحدة بسور احتاجت إلى جند مفرد ونظر مجرد والرأي أن أدير عليهما سورا واحدا من الشاطئ إلى الشاطئ ثم يتكل في حفظها على الله الكالئ. فأمر ببناء قلعة في الوسط عند مسجد سعد الدولة على جبل المقطم فابتدأ من ظاهر القاهرة ببرج في المقسم وانتهى به إلى أعلى مصر ببروج وصلها بالبرج الأعظم.
ووجدت في عهد السلطان ثبتا رفعه النواب, وتكمل فيه الحساب وهو داير البلدين مصر والقاهرة بما فيه من ساحل البحر والقلعة بالجبل تسعة وعشرين ألف وثلثمائة ذراعا. شرح ذلك قياس ما بين قلعة المقسم على شاطئ النيل والبرج بالكوم الأحمر بساحل مصر عشرة ألف وخمسمائة ذراع, ومن الربعة بالمقسم إلى حايط القلعة بجبل مسجد سعد الدولة إلى البرج بالكوم سبعة ألف ومائتي ذراع قياس داير القلعة بمسجد سعد الدولة ثلاثة آلاف ومائتي وعشرة أذرع, وذلك بطول قوسه وأبدانه وأبراجه من النيل إلى النيل على التحقيق والتعديل وذلك بالذراع القاسمي بتولي بهاء الدين قراقوش الأسدي, وبنى القلعة على الجبل وأعطاها من حقها من أحكام العمل وقطع الخندق وهناك مساجد يعرف أحدها بمسجد سعد الدولة اشتملت عليها القلعة ودخلت في الجملة.
وحفر في رأس الجبل بئرا ينزل فيه بالدرج المنحوتة من الجبل إلى المعين, وتوفي السلطان وقد بقيت من السور مواضع, والعمارة فيها مستمرة وأمر بناء المدرسة بالتربة المقدسة الشافعية وتولاها الفقيه نجم الدين الخبشاني وأمر باتخاذ دارا في القصر بيمارستان.
وقال: وخرج السلطان من القاهرة يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شعبان وقد استصحب من أولاده الأفضل عليا والعزيز عثمان, وجعل طريقه على دمياط, ورأى في الحضور بالثغر المذكور ومشاهدته الاحتياط. وكان له بها سبى كبير جلبه الأسطول فامتد بظاهر البلد يومين ليتبعه النزول قال: ووهبت منه جارية اخترتها وآثرني بثمنها لما اشتريتها. ثم وصلنا إلى ثغر الإسكندرية وترددنا مع السلطان إلى الشيخ الحافظ أبي طاهر أحمد بن محمد بن السلفي الأصفهاني, وسمعنا عليه ثلاثة أيام يوم الخميس ويوم الجمعة ويوم السبت رابع شهر رمضان. قال ونظمت في الطريق مقطوعات ومنها.