قال: وأكن المهذب كنعته مهذبا ومن الملوك لنفرده بفضله مقربا وهو في وقته مبرز ولملك الشام بمحاسنه مطرز ومنها وفاة نجم الدين بن مصال في الثامن عشر من جمادى الأولى وقد جاءنا نعيه ونحن بحمص فزاد اغتمام السلطان برزئه حتى جاز حده وجلس في بيت الخشب مستوحشا وحده وقال: لا يخلف الدهر لي مثله صديقا بعده وأجرى ما كان له جميعه لولده وحفظ عهده وكان لجماعة من الأعيان والشعراء والأدباء بعنايته من السلطان رزق فأباه عليهم كأنه عليه حق مستحق ومن جملتهم رجل من أولاد أبي حصينة فلما توفى المذكور قصدني فقلت للسلطان لو أن نجم الدين بن مصال كان حيا وشفع إليك في رزق مستحق أما كنت تقبله فقال بلى فقلت فاقبل شفاعته وهو في دار البلى ثم ذكرت له ابن أبي حصينة وصداقته النجمية فضاعف أدراه واذهب عنه إقتاره.
[ذكر الظفر بخيل ورجل للفرنج أغارت على بلد حماه في العشر الأول من شهر ربيع الأول]
(١٩٥ب) قال: وكان متولى عسكر حماه الأمير ناصر الدين منكورس ابن الأمير خمارتكين صاحب حصن بو قبيس، وكانت طايفة من الفرنج ومن انضم إليهم من ذوبان الكفر قد ألهبوا الأعمال بنارهم وألهبوها بغوارهم. ولكم أغاروا على غرة وامتاروا مرة بعد مرة.
وكانت لحماه مع ناصر الدين عدة معدودة لا تبلغ مائة فعرف القوم أن أعمال حماه شاغرة فنهضوا في جمع جم فخرج إليهم ناصر الدين في عدته وعدته وتوكل على الله في نصرته ونجدته وصحنهم بثقالة ونطحهم بكباش رجاله واخذ عليهم المضايق وصوب إليهم البوايق فوقعوا في فخاخه وفنيت شغلهم جاء إلى الخدمة السلطانية بمنقبته مستقلا وبنهضه مذلا وساق أولئك الاسارى والأغلال في أعناقهم والآجال آخذة بارماقهم فركب السلطان في اليوم الحادي عشر من شهر ربيع الآخر ووقف راكبا ووقفنا راكبين وحضر الأمير منكورس وترجل ولثم الأرض وتقدم وصافح السلطان وقبل يمينه بعد أن عفر بقدمه جبينه ثم احضر الأسارى من الفرنج والنصارى " كأنهم سكارى وما هم بسكارى" فأمر بفتح أغلالهم وضرب أعناقهم وان يتولى ذلك أهل التقى والدين من الحاضرين وان يكون هلاك المشركين بأيدي الموحدين " فأعتق أمامه الضياء الطبري إلى برى عنق وتلاه الشيخ سليمان الديري" المغربي وتلاه آخرون وكان الأمير اقطفان بن ياروق حاضرا فتقرب إلى الله بضرب رقبته احد أعدائه. قال: وجاءني في تلك الحالة رسول من السلطان يدعوني فظننت انه لمهم لا يكفيه غيري ولا ينهز به دوني ولما أجبته وهو يقول جرد سيفك لهذا الكافر وخذ به ما يشتمل على سمعه وبصره فقلت أنا للقلم ولا أزاحم السيوف، وانشر الفتوح ولا أنشئ الحتوف ولكن هب لي ذلك الصغير لأملك رقة وغيري ينوب عني في ذلك الأسير فيضرب عنقه فتبسم فعاينت منه الضحوك القتال وأقالني وأجاب في النوال السؤال فقال: هذا الصغير نسفتك به من المسلمين أسير ونهب لك من سبى الأسطول بمصر مملوكا كما تؤثر أثيرا فانتهزت الفرصة وأحضرت دواتي ودرجي واستعنت بالأمير عضد الدين مرهف بن مؤيد الدولة أسامة بن منقذ فكتب لي توقيعا وأخذت فيه علامة السلطان. وأما نزلت حررت إلى المولى الفاضل رسالة في المعنى ووصفت المملوك المطلوب بأوصاف يتعذر وجودها فسير لي في جوابه مائة دينار مصرية عن المملوك عوضا. وقال رأيت تحصيل غرضك مفترضا والرقيق الذي احضره الأسطول ما فيه يوافقه وجودهم يساوي ثلاثين دينارا وما رأيت ذلك مختارا وقد أخذت من الديوان عن المملوك خمسين وعن الخزانة العادلية ثلاثين ومن خاصتي عشرين فأثمر قلبي بما عف عنه السيف وما ضيعت اللين أما جاء الصيف ولو أرقت الأحمر وإنما أعرضت عن ذلك مخافة أن يضحك مني ذلك الجمع كما ضحكوا مني الباقين.