قال: كانت قد وصلت رسل صاحب الجزيرة وكان صاحب أربل وصاحب تكريت والحديثة يشكون من صاحب الموصل وتكليفاته وأثقاله الكثيرة الكبيرة فأما صاحب الجزيرة فهو معز الدين سنجر شاه بن غازي بن مودود بن زنكي وهو خايف من صاحب الموصل عمه وأنه يلزمه أن يدخل تحت حكمه ويخشى أن يكشف ضياء حاله ظلمة ظلمه وأما صاحب اربل فهو زين الدين يوسف (بن بكتكين) بن علي بن كوجك وهو أيضا شفق من أمره محترق بجمره وكذلك صاحبا الحديثة وتكريت يرهبان وفي الاعتزاز بنا يرغبان وكل أخذ من السلطان عهدا على أنه يحميه ويقيه ويسعده ولا يشقيه، وانصرف رسلهم على هذا القرار. ثم كان وصول شيخ الشيوخ صدر الدين ومحى الدين الشهر زورى ووقع الشروخ في حديثهم وحادثهم وإجازة دواعيهم وإجابة بواعثهم. وكان القاضي محي الدين الشهر زورى سالفا في المدرسة النظامية ببغداد رفيقي وآنفا في الأيام النورية صديقي فصدفوه في هذه المرة عن مشاورتي وصرفوه (٢١٦ ب) عن محاورتي ولو استشارني لعرفته النهج وسلكت به طريقنا للمصالح جامعة وللعواقين رافعة فصرت عن سره بمعزل حتى استقرت قاعدته ولم يبقى إلا عقدة للتأليف تقرر ونسخة التحليف تحرر فاستدعاني السلطان ذات يوم غدوة وقال: اكتب لنا شرطا ليكون لنا في الوفاق قدوة فقلت له: كيف تستثنى أولئك الذين وثقوا بعهدك، وسكنوا إلى وعدك وهؤلاء لايرضون بالاستثناء وكيف تنسب إلى ترك الوفاء فقال: اكتب ما ينزهني عن الخلف وينبهني على صدق الحلف فقلت تحلف لصاحب الموصل على موصله ونجح مؤمله وتعجل أمر أصحاب تلك البلاد إلى اختيارهم عمن اختارنا تم منا له مناله ومن اختاره فله عنده سؤله وسؤاله، وهو يشرع في استدعائهم واسترضائهم على وفق آرائهم فأن صح لنا في عودهم إليه أمرهم بسط عذرنا وقبض عذرهم. فقال: امض الآن إلى شيخ الشيوخ وعرفه بالقضية وأرضه بهذه الحالة الرضية وألم أيضا بمحى الدين وأنا قد أجبناه على هذه الشريطة إلى اليمين. فأما شيخ الشيوخ فإنه عرف واعترف وأسعد بالمراد وأسعف، وأما محى الدين فإنه أبى ألا الأباء وأنكر الأستثناء وقال: هذا مستحيل ولا ينقطع به القال والقيل وأولئك في بلادنا ونوابنا وفي ولايتنا ولاتنا وأصحابنا وفي خروجهم علينا ما لا خفاء به من تفريق الكلم وتشتيت الشمل المنتظم، وإذا علموا أنكم لهم توثقتم وعليهم أشفقتم خرق إجماعهم، وزاغت عنا أسماعهم وأبصارهم فاتركونا وإياهم زاعتذروا إليهم بأنا إنما قبلناكم أيام السخط واللآن فقد كمل الصلح فاجروا على العادة ولا تخالفوا في الإرادة فقلنا تأخذ الآن عهدا كما شرحنا وشرطنا وحفظنا به الجوانب واحتطنا وأنتم أشرعوا في الاستمالة وتنبكوا طرق الاستحالة فما قبل الرسول ولا تم بقبوله السؤل. ثم استأذنوا في الانصراف والاستيمار على ما تقرر في الاستحلاف فاكرم الرسل الكرام وقضيت حقوقهم بكل تشريف وعطية وتحفة وهدية وكان شيخ الشيوخ كبير الهمة أثيراً لا يقبل قليلا ولا كثيرا فإذا حمل له الطعام فرقة على الأجناد الذين معه من الديوان العزيز الأمامى، وعصم أحواله بالخلق العصامى فما زلت به حتى أجاب كل يوم إلى رغيف وباجة متخذة من دجاجة. فلما خرجوا من دمشق عازمين على المسير وعرف السلطان أنهم خيموا بالقصير قال السلطان: قد استحييت من صدر الدين شيخ الشيوخ، وقد عولت على أن أركب لوداعه وأقابل مقاله بامتثاله وأقبل مقاله لأجله ولإجلاله، ويكتب نسخة اليمين كما يمليه بعبارته. فسبقت إليهم منم أمر السلطان، وعرفتهم بسرعة وصوله، فلما وصل نزل في خيمة الصدر منشرح الصدر متضح البشر ثم كشف له في القناعة ما سأله القناع وسأله بالرسول في عقد الإجماع الاجتماع. فأرسل إليه من يعلم بالأمر ويقفه على السر وضيق عليه سعة العذر فلما رأى تواضع السلطان ترفع وقال: أنا بعد ما جرى من الحال لا رغبة لي في الاسترسال حتى أنهى إلى من خصني بالإرسال. ولعلكم اعتقدتم انه ليس لنا مظاهر ولا مظافر ولا موازر بل لنا من يشتمل علينا ويعصمنا ويميل إلينا ونحن نكاتبه. ونستشير به ولا نتوخى خلاف مذهبه وأشار إلى سلطان العجم والبهلوان فأذن هذا القول منه بنفار السلطان وترك ما عزم عليه وودع وركب، وبعد الأمر الذي كان قد قرب وكان قد أرسل للإطفاء فأسعر وللاستحذاء فتكبر.