قال: كان بالموصل رجل من شيوخ الصالحين وأئمة العارفين يعرف بعمر العلاء وكان العلماء بل الملوك والأمراء يزورونه في زاويته وله كل سنة دعوة في أيام مولد النبي صلى الله عليه وسلم يحضره فيها صاحب الموصل ويحضر الشعراء وينشدون في ذلك المحفل في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وكان يخرج لهم جوايزهم. وكان نور الدين من أخلص محبيه وأحب مخالصيه وكان يستشيره ويكاتبه، وكان بالموصل خربة واسعة متوسطة للبلد وقالوا ما شرع في عمارتها إلا من ذهب عمره فأشار الشيخ عليه بابتياعها وبنائها جامعاً تقام فيه الجمع والجماعات فانفق فيها أمولاً جاوزت حد الغزارة ووقف عليها ضيعة من ضياع الموصل. وكان الفقيه عماد الدين النوقاني الشافعي تلك السنة من الوافدين إلى الشام وكان من أكابر علماء الإسلام من أصحاب محمد بن يحيى ومعاصريه فسأله أن يكون مدرساً في هذا الجامع فقال: وكتبت له منشوراً عند عودنا إلى دمشق بذلك في سنة سبع وستين. قال وحضر مجاهد الدين قايماز صاحب اربل في الخدمة النورية بالموصل وذلك في مستهل جمادى الآخرة وزخرت الموصل بأمواج هداياه الزاخرة. قال: وولى نور الدين سعد الدين كمشتكين بقلعتها نابياً وأر فخر الدين عبد المسيح بأن يكون له في خدمته مصاحباً واقتطع عن صاحب الموصل حران ونصيبين والخابور والمجدل وعاد إلى سنجار واعاد عمارة أسواها. ونزلنا بحران في خامس عشر (١٧٢ب) جمادى الآخرة ثم رحلنا على قصد حلب ووصلنا إليها في خامس رجب قال ونظمت هذه الأبيات على مذهب لزوم ما لا يلزم.
أحمد لله فزنا وللمطال حزنا ... حزنا السرور ومات الحسود هما وحزنا
إن الأعادي ذلوا بنصرنا وعززنا ... وعاد سهلاً من الأمر كل ما كان حزنا
قال: وفرض القضاء والحكم بنصيبين وسنجار إلى الشيخ شرف الدين أبي سعد بن أبي عصرون فولى بها نوابه وحكم فيها أصحابه.
[ذكر وفاة الأمام المستنجد بالله وولاية الإمام المستضيء]
أبي محمد الحسن ووصول رسله إلينا قال: ووصل الخبر بوفاة المستنجد بالله وجلوس الأمام المستضيء بأمر الله وقد بويع يوم السبت تاسع ربيع الآخر سنة ست وستين وكان الوزير أبو جعفر المعروف بابن البلدي ركب يوم وقوع الإرجاف في عدة معه وعدة من الأمراء فلما لم يصح الخبر تفرقوا إلى منازلهم ورجع الوزير إلى داره وقيل أن أمير المؤمنين خف ما به فأغلق أستاذ الدار باب العامة فأحس الوزير حينئذ بزوال السلامة وقرع سن الندامة وجاءه أحد الحجاب يعزيه وللحضور في المشايعة يستدعيه فمضى ومعه زعيم الدين أبو جعفر صاحب الخزن فلما دخل صرف به إلى موضع كان فيه مصرعه وأمضه بالسيف من دمه تجرعه وشفع عماد الدين بن عضد الدين رئيس الرؤساء في الزعيم فبقى على سننه القويم وتولى عضد الدين الوزارة وأخرج جميع من في الحبوس ومن جملتهم مخلص الدين بن الكيا الهراس فإنه اعتقل من مبتدأ خلافة الأمام المستنجد إلى منتاها وعاش بعدها حياة في عطلة ما اشتهاها. وقيل قتل في ذلك اليوم في الحبس جماعة لم يؤثر الوزير ظهورهم ومنهم عز الدين محمد بن الوزير ابن هبيرة وغيره. وجاءنا رسل الخلافة ونحن بشرقي الموصل قصد تل توبة مبشرين بخلافة الأمام المستضيء بأمر الله واتفق ذلك اليوم عبور دجلة واجتاب نور الدين تشريف الإحتباء وركب يوم النزول عن التل في الأهبة السوداء واليد البيضاء وذلك بمرأى ومنظر من أهل الموصل الحدباء وأمرني بإصدار خدمة إلى الوزير يشكر الآلاء والأمتثال للأوامر الشريفة بإقامة الدعوة الهادية في جميع الأقطار والأمصار والخطبة على منابرها ونقش سكة الدرهم والدينار.