للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: ولما قضينا بحلب الأرب رتب الملك العادل فيها نوابه وأحكم أحكام الملك العادل وأسبابه، وصحب أخاه السلطان منفذاً لأوامره ومدبراً لعساكره اشفاقاً من تعب يلحقه وإرفاقاً به في نصب يرهقه كأنه كان في غب وعتكة ولا يؤمن من مضرة حركته، ووصلنا إلى حماه في مراحل طاب مراحها وأسفر بحمد مسراها صباحها وتلقانا النايب عن الملك المظفر تقي الدين بكل جمال وجميل وحسن وإحسان جلي جليل وتقي الدين حينئذ نايب السلطان في الديار المصرية وقد عول في حماه على نظر ناصر الدين منكورس بن ناصح الدين خمارتكين وفيه السماحة والحماسة والحجى الصحافة وكان تقي الدين منذ تولى حماه حصن قلعتها وعمق خندقها وأدام بعمارتها اشتهاره وبإرادة إدارتها استظهاره فلما ندبه السلطان للنيابة عنه في مصر سأله أن ينزل عن حمص فأبى فوافقه على مراده وأبقاه لما عرف من اجتهاده فسلمها إلى ناصر الدين منكورس وشكرته الرعية. وكانت بيني وبينه صداقة بصدق الاعتقاد معقودة. واتفق أن سرقت لي في طريقها إلى حمص ثلاثة جمال بمالها من عدة ورجال وكنت قد سلوتها وتمكن عندي فوتها، فجاءنا هذا الأمير بعد يومين بقطارين من الجمال المسروقة وقال: لما سرتم عرفت أن وراءكم لصوصاً فرتبت أصحابي في المواضع البعيدة من العمارة ليترصدوا أهل الذعارة فوجدوا هذه الجمال التي أحضروها فتأملتها فإذا هي جمالي نفسها فشكرت همته الكريمة على إحسانها ولم تزل الثغور لسداده مسدودة والرعايا بسياسته محروسة ورايات الكفر بنكاياته منكوسة.

[فصل]

قال: وهؤلاء الذين قرضتهم ووصفتهم تنكرت معرفتهم بعد الأيام السلطانية وهم صدقوني لصدق الحاجة فلما استغنوا عني حملوا معرفتي وأنكروا عارفتي وهذه شية أخلاء الدنيا في دين الإخلال وملة الملال واستحالة الحال.

ذكر الوصول إلى حمص وتقرير أمر أسد الدين أبي الحرث شيركوه بن محمد بن شيركوه مكان أبيه

<<  <   >  >>